امتدادا لحديثنا الأسبوع الماضي حول بعض الأخطاء المنهجية التي أفضت إلى حالة الارتباك والصدمة لدى التيار الدعوي، فإن من الضروري القول بأن المشكلة التي برزت بحدة في الساحة من خلال طروحات صادمة وناقدة أو متبنية لمواقف جديدة تخالف المعهود من بعض رموزه يجب أن تواجه بمقدار مناسب من التحليل، وذلك من زاويتين أولاهما في مسار الحديث في المقال السابق هي السؤال الملح عن البواعث والدوافع لما جد، وأين كانت هذه القناعات والرؤى في الماضي، هل كانت كامنة تنتظر الفرصة المواتية، أم أنها في الحقيقة نتجت عن اجتهاد حر فرضته المستجدات والمتغيرات على أرض الواقع، وأيا كان ذلك فهل هي بريئة من التهمة عموما أم أنها انتقال غير مبرر في الماضي أو الحاضر إلى مربع جديد لا يتفق مع الرؤية الشرعية في التعامل مع النصوص الخاصة أو في إعمال المصالح ومراعاة المقاصد، ولا هو يستند إلى وعي كامل بالحال والواقع، وبواعثه في واقعها قد تكون ضعفا شخصيا نفسيا أمام حدة الهجوم والمخالفة وارتفاع وتيرتها، أو رغبة كامنة في اكتساب بعض الفوائد من خلال التناغم مع التيارات الفاعلة المؤثرة في الساحة، أو هي رهبة من القادم المكلف، واختيار للأسهل من طرق السلامة. والزاوية الأخرى، في النظر الموضوعي لتلك الطروحات، هي في ما تحمله هذه الرؤى من النافع الجاد الذي نحن بأمس الحاجة إليه بصرف النظر عن تأخر ظهوره أو ظروف إبرازه، فإن من طبيعة المتغيرات أن تكون باعثة على المراجعة والمكاشفة، كما أن من لوازمها تأكد الحاجة إلى الاجتهاد والتجديد بقطع النظر عن الأمور الشخصية الصرفة المتعلقة بمن قدمها، والبناء في ذلك على الأصل الشرعي من إحسان الظن بأهل الفضل والخير وحملهم على أحسن المحامل ما أمكن. وهنا، لا بد من العودة إلى أن القول بأن هذه الحالة تعود إلى المنهجية فقط ليس سديدا، فكما ظهر لنا فإن حالة بعض الرموز العلمية والدعوية وتأريخهم الشخصي وحالتهم النفسية ربما كانت العامل الأبرز في القصة، وحضور الرموز في مشهدنا الدعوي بقوة يعد سلبية من هذه الزاوية، إذ تدور المجاميع حولها بدون تمييز وخصوصا عند توهجها الشديد في مواقف ولحظات معينة لتصبح خاضعة بعد ذلك لحركية العقل الجمعي كما يقول النفسانيون، ويصبح الولاء إنما هو للشخص ثم لطروحاته تبعا لذلك، فإذا صدم من حوله بتحولاته تبعثرت هذه الجموع في كل اتجاه، وفقدت البوصلة وتأثرت نفسيا، وبرغم أن الأمر في نظر كثير من الناس لم يصل على هذا الحد الموصوف إلا أني أزعم أن النظر العام للحال يشي بأثر كبير لهذه القضية. وأرجو أن يحمل ذلك خيرا لاحقا في المستقبل من بعض الجوانب والتي من أهمها أن الارتباط إنما يكون بالمبدأ والسعي للثبات عليه، والتأهل الجيد لذلك هو الضمانة بعد الله تعالى للاستمرار والنجاح، وأما الأشخاص والقدوات فليسوا إلا أدلاء يخطئون ويصيبون وليس منهم معصوم، وهم في حقيقة الأمر لم يطلبوا كل هذا الولاء من محبيهم [email protected]