موضوعان لا يتعلقان بالاقتصاد، ولا حسابات الميزانية، صاحبا إعلان ميزانية الدولة في جلسة مجلس الوزراء الموقر الاثنين الماضي، وهي الجلسة التي رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، والموضوعان جديدان على ما اعتدنا عليه في إعلان الميزانيات في السنوات الماضية. الموضوع الأول هو «تحريص» الملك الشديد على تنفيذ بنود الميزانية دون تقصير، محملا الوزراء المسؤولية الكاملة، وطالبا تبليغه عن التقصير في معنى ضمني في خطابه يتماشى مع مشروعه التنموي الكبير، الذي يؤكد ضرورة ظهور إنجاز ملموس، وفي تلميح ضمني للتقصير المقترن بالتراخي الإداري، أو حتى منافذ الفساد في التهاون، والإبطاء في الإنجاز، وهي من منافذ الفساد. فالملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، الذي أصدر قبل أسابيع أمرا يعتبر الأول من نوعه في العالم للتحقيق في المتسببين في فاجعة جدة مع المتباطئين والفاسدين الذين تسببوا تأخير المشاريع، أقول الملك يعيد لنا مفاهيم أمره السابق ضمنا في «تحريص» قوي أمام كل الوزراء المعنيين بأن المحاسبة والمتابعة وراء ظهورهم بدون تهاون، طالبا من الجميع التبليغ عن التقصير دون مسؤولية على المبلغ، بحيث يلغي عامل الخوف من سلطة الوزير في إخفاء التقصير. الموضوع الثاني أن الميزانية أعادت إلى ذهني مقولة قديمة كتبها (أوسلد شبنجلر) في كتابه في تحليل تاريخ الحضارات، وفي حديثه عن (العصر الباروكي)، حيث قال (عندما ارتفعت المباني كانت العقول خاوية)، وميزانية هذا العام وضعت العقل قبل المبنى بأن نال التعليم نصيب الأسد من الميزانية بصفة الاستثمار في العقول، ورغم بطء العائد من التعليم، ورفع الكفاءة، هو عمود الارتكاز لكل الاستثمارات، وقد حضي التعليم كبنية أساسية ما يحقق عدم علو المبنى على العقل، كما في مقولة (شبنجلر) السابقة، مع ضخ مالي كبير في استكمال البنيات الأساسية في تنمية غير مسبوقة. الدولة في ميزانية هذا العام تثبت أن الأزمة المالية العالمية المتفاقمة لم تثن الدولة عن الاستمرار في دعم وبناء مشاريع التنمية العملاقة، في وقت تتعثر مثل هذه المشاريع في دول كثيرة؛ بسبب ضغط السيولة المالية، فالدولة تضخ على التوقعات في العام المقبل مبالغ طائلة لإنعاش النمو المحلي لتقليل آثار الأزمة المالية التي تعصف في العالم، ولا يبدو أن الخروج منها سيكون قريبا. إذا نجحنا في تجاوز بطء إنجاز مشاريع الميزانية الجديدة، وهو الهم الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لهذا العام، سيقول العالم إننا فعلا خرجنا من عنق الزجاجة في الأزمة المالية العالمية، ووضعنا المملكة على قائمة الدول الآمنة في الاستثمار من ما سوف يستقطب المال المهاجر للعمل محليا في بيئة استثمار صحي طويل المدى. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 240 مسافة ثم الرسالة