رغم الحالة النفسية التي أصابت أبا صالح نتيجة فاجعة جدة في الثامن من ذي الحجة الماضي بفقدانه اثنين من أبنائه وسيارته وأثاث منزله، بيد أن وقوف أقربائه معه في هذه الأزمة كان بمثابة البلسم الشافي في صورة تعكس مشاهد من الأخوة والتكافل بين سكان عروس البحر الأحمر، كما كانت توصف في السابق. فلم يكن يتصور أبو صالح أن يعينه أقرباء فرقت بينه وبينهم سنوات من الفراق والقطيعة لخلافات أسرية في أزمته الحالية، فأحدهم قدم مجموعة من الأجهزة الكهربائية، والآخر أثاثا جديدا للمنزل الذي دمرته السيول، والثالث تبرع بمبلغ من المال ليساعد أبا صالح على قضاء حوائجه، وهكذا تكونت صور التلاحم والقربى وعادت المياه إلى مجاريها بعد كل تلك السنوات. وقصة أبي صالح تعد واحدة من آلاف القصص التي تمثل جانبا من تبعات الفاجعة، فإذا كانت الفاجعة قد تسببت بفراق الأحباء نتيجة الوفاة، إلا أنه على هامشها المشرق تجلت صور أخرى من صور التلاحم وصلة الرحم ووقوف الأقارب مع بعضهم البعض في الأزمات، إذ نسوا سنوات القطيعة والاختلاف والفرقة وعادت المصالحة وصلة الرحم. ويروي أبو عبدالرحمن أن الكارثة أعادت علاقته بأسرة زوجته الذين قاطعوه لسنوات طويلة، مضيفا «بينما كنت أفكر في طريقة سريعة لإصلاح الأضرار التي تعرض لها منزلي وسيارتي، انهالت علي الاتصالات من الأقارب والأحباب للاطمئنان، ومن بينهم أهل زوجتي الذين أبدى كل فرد منهم استعداده لتقديم المساعدة التي أحتاجها، ما دفعني للبكاء». فيما يعتبر الشاب «ع.م» أن الفاجعة أدت إلى جوانب إيجابية في حياته، أبرزها تصالحه مع والده بعد قطيعة دامت لأكثر من سنة، إثر رفضه الزواج من بنت عم له، ما أغضب والده. ويقول «بينما كنت أقضي أيامي كالمعتاد في منزل أحد أصدقائي في جدة، فوجئت باتصالات كثيرة من أفراد أسرتي، وعند الرد على اتصال متكرر من أخي أخبرني أن الأسرة حلت بها كارثة مفجعة كحال عشرات الأسر التي تقطن أحياء شرق جدة، وطلب مني المساعدة العاجلة والوقوف بجانبهم في هذه الأزمة». ويضيف «على وجه السرعة انطلقت إلى حيث منزل الأسرة، فوجدت كل شيء أثرا بعد عين، فلم يكن بوسعي تقديم شيء، وكنت أتوقع رفض الوالد الصفح عني، بيد أن نظرات الأبوة الحانية منه تجلت في ذلك الموقف، فما كان مني إلا الارتماء في أحضانه طالبا العفو والسماح».