أزاح الروائي الألماني الشهير «غونتر غراس» عن قلبه هما طويلا وسرا قديما كان جاثما على روحه منذ زمن بعيد، واعترف قبل سنوات أنه كان عضوا في إحدى فرق النازية الهتلرية عندما كان في السابعة عشرة من عمره! لكن الروائي الجميل قابل كل الانتقادات والاتهامات بالخيانة وبمحاولة تجريده من جائزة نوبل التي حصل عليها عام 1999، قابلها بكل البرود وبالراحة النفسية التي يحصل عليها الإنسان عادة بعدما يبوح بما في قلبه! بل قابلها بتقشير البصل! فقبل أن يبوح «غراس» بهذا الاعتراف الخطير بدأ يكتب مذكراته ويقشر بصل حياته ويسمي مذكراته «خلال تقشير البصل»! لقد وجد الروائي الكبير في البصل ما يريد أن يقوله شيخ وصل إلى الثمانين ولديه الكثير من الحكايات والأسرار، فراح يقشر البصل واحدة واحدة، والتي راحت تخرج من حلقات كبيرة ثم متوسطة ثم صغيرة وتصغر حتى النهاية. وفي نفس لحظة تقشير البصل كانت عيناه تدمع _ مثل أي شخص يقشر البصل_ والدموع تنهمر من كثرة الحقائق التي ستروى في المذكرات والخبايا التي ستقال والحكايات المؤلمة والذكريات الحزينة. ورغم انخراطه المبكر في النازية إلا انه اعترف بأن هذا قد حدث عن طريق الغواية آنذاك. وهل يلام الفتى الشاب على خطيئة ارتكبها من دون أن يدرى حجمها؟ ويكمل: في تلك اللحظة لم أشعر بالذنب، ولكن في وقت لاحق أثقل ذلك كاهلي وجعلني أشعر بالعار! حتى لو تأخر العار عند الروائي فإن ذلك لن يغير في رأيي من إبداع وعظمة الرجل بل وعبقريته وموهبته الأدبية وقيمته الرائعة. فالإبداعات الجميلة والأعمال الخالدة التي قدمها الرجل للعالم تجعلنا ننظر إليه نظرة أجمل فنغفر له، وننظر إلى اعترافه مهما تأخر بأنه اعتراف الروح في رمقها قبل الأخير. أما كل هؤلاء الذين تباكوا ومازالوا يتباكون ويلعنون «غراس» فهل أصبحوا ملائكة؟ ألم ير تكبوا أخطاء وبل أخطاء فادحة في حياتهم؟ هل يريد هؤلاء أن يقولوا لنا إن المطلوب من البشر وخاصة المبدعين والعظماء والمشاهير وغيرهم أن لا يعترفوا بأخطائهم وذنبوهم؟ وإذا اعترفوا فلماذا المطلوب من الجميع استنكارها وشجبها باعتبارها اعترافات لا تليق بمكانتهم وعظمتهم؟ إذا كان الاعتراف هو سيد الأدلة، فإن الروائي «غراس» قد قدم الدليل الحي على أن الشجاعة مهما تأخرت وطال أمدها، تأتي جميلة وقاطعة! [email protected]