أكمل الكاتب محمد المزيني ثلاثيته الروائية (ضرب الرمل) بإصدار الجزء الأخير منها، وهي (الدنس)، وذلك عن دار الكفاح. وظف المزيني في روايته تقنية سردية خاصة لإبراز تحولات المدينة ضمن ثلاثة أزمنة، فكل جزء من الثلاثية يتحدث عن زمن من الأزمنة بلغته، وقد زاوج بين أصوات مختلفة بما فيها الشخصيات التي تتوسل «المونولوج» لتكسر رتابة السرد وتقحم القارئ مباشرة معها. يقول المزيني في المقدمة: «ثلاثية ضرب الرمل، ليست من نوع الكتابة الروائية الملتصقة بال (أنا)، بل هي بمثابة قفز على هذا الحيز الضيق للوصول إلى الآخر، فقبل البدء في كتابة هذا النص كنت في صراع مرير معها، حتى تكالبت شخصياتها على أحداثها طبيعيا؛ ليخرج النص بحيادية كاملة من حيث الشخصيات والأحداث، والأزمنة، والأمكنة، وحتى لغة الرواية. وهذا ما مكنه من الغوص عميقا في طبائع النفس البشرية وتشكلها وفق المتغيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية». ثلاثية ضرب الرمل تمر عبر ثلاثة أجيال بدأها المزيني ب (النزوح ) صور بعدسة تلتقط الصورة الاجتماعية بشفافية، حالة الإنسان البسيط الذي يطرق الأرض للوصول إلى لقمة عيشه، مجسدا الدوافع التي أدت إلى نزوح سكان المدن الصغيرة والقرى إلى المدن الكبرى. وفي ضرب الرمل تكون الرياض مسرحا للأحداث وما لاقاه النازحون من عنت في سبيل تحصيل لقمة العيش واستكشاف المدينة حتى ترسخت أقدامهم. في الجزء الثاني من الثلاثية (الكدح) يتابع المزيني رسم شخوصه التي تطورت مع تطور الأحداث، واتساع المدينة فكانوا يقتنصون لقمة عيشهم بلا سكينة أو راحة من الأعمال التي توفرها لهم الفرص المواتية المتاحة وكل بحسب قدراته الذهنية واستيعابه لما يجري حوله. وكان شقير الهدب الشخصية الأبرز في ثلاثية ضرب الرمل متقد الذهن متنبها لكل ما يدور حوله لذلك استطاع حفر اسمه بعناية في عالم التجارة لينتقل مع جيل كامل إلى فترة رخاء ورفاهية قسمت المجتمع إلى مجتمعات. وتناول الجزء الثالث (الدنس) جيل ما بعد الرخاء والتنعم بالطفرة التي مرت بها البلاد، وما أعقبته من ظواهر وأحداث وهزات على مستوى الفرد والمجتمع، تدخل فيها الشخصيات في عقد متوالية تنازعها أحداث كبيرة تطغى على حياة الأسر الثلاث، بما فيهم البناء الذين باتوا يحصدون تبعات الماضي الذي صورته الرواية بجزءيها الأول والثاني، لتبدو المدينة التي صورها الجزء الأول صغيرة في همومها صغيرة في أبعادها، مدينة تماهت فيها كل الأشياء وتداخلت لدرجة يصعب تفكيكها أو فهمها إلا عبر المظاهر اليومية.