في الوقت الذي ينتظر فيه المزيني وصول روايته الرابعة الصادرة عن الانتشار العربي اللبنانية نكهة أنثى محرمة صدر مؤخرا عن دار الكفاح للنشر والتوزيع الجزء الأول من ثلاثية ضرب الرمل للروائي السعودي محمد المزيني بغلاف جميل بريشة الفنان التشكيلي المبدع ناصر الموسى التي رسمها خصيصا للرواية وقدمها هدية للروائي ، وقام بتصميم الغلاف الفنان التشكيلي والمصمم المرهف الحس هشام محيي؛ وتختلف رواية ضرب الرمل عما تعودنا عليه في روايات المزيني من حيث اللغة والمضمون ومن حيث شخصياتها وتعاطيها مع الأحداث ، يصفها المزيني في مقدمة الرواية قائلا ثلاثية ضرب الرمل ، ليست من نوع الكتابة الروائية الملتصقة بال " أنا " ، بل هي بمثابة القفز على هذا الحيز الضيق للوصول إلى الآخر ؛ فقبل البدء في كتابة هذا النص كنت في صراع مرير معها ، حتى تكالبت شخصياتها على أحداثها طبيعيًا ؛ ليخرج النص بحيادية كاملة من حيث الشخصيات ، والأحداث ، والأزمنة ، والأمكنة ، وحتى لغة الرواية .كنت معها كالقاعد على ضفة مقابلة تماماً لمسرح الوقائع تاركا لقلمي تدوين المشاهد ، ومحرضي الأول على ذلك هو إحساسي بالمسؤولية تجاه الأجيال النامية في غفل من الزمن غير عابئين بالماضي القريب الذي أسس لحاضرهم المعيش يحصدون تبعاته بما اقترفته أيادي الآخرين عبر سنوات ماضية ، فهم اليوم بأمس الحاجة لقراءة عمل مباشر في كل شيء ومعبر عن كل ما يتطلعون لاستكشافه ،ما سيجيب عن كثير من الأسئلة العالقة في عقولهم , ويفتح لهم نافذة حقيقية على عالم القراءة . وتمر ضرب الرمل في أزمنتها وأمكنتها وشخوصها عبر ثلاثة أجيال بدءاً من جيل الكد والكدح , إلى جيل الرخاء والتنعم بالطفرة التي مرت بها البلاد , ثم إلى ما بعد الطفرة وما أعقبته من ظواهر وأحداث وهزات على مستوى الفرد والمجتمع غاص المزيني عميقا في طبائع النفس البشرية وتشكلها وفق المتغيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية .ففي النزوح وهو الجزء الأول من الرواية يصور لنا بعدسة تلتقط الصورة الاجتماعية بشفافية حالة الإنسان البسيط الذي يطرق الأرض للوصول إلى لقمة عيشه واحدة من هذه اللقطات مرت على لسان شخصية الرواية الرئيسة شقير وعلى مبعدة من أمواج السراب أتكئ على جذع أثلة أطلق لعيني العنان لتمور في هذا المدى الناعم المسلول كمدية صقيلة والرمل الزاحف بصمت شرع يهرول على أقدام السراب توشحه شمس ساخطة ، يدون تشكيل الطقس الخرافي وتخليق أجنة الوقت وحينما تريق الأرض حليبها الساخن ساعة الهجير فوق العيون وتغشى الأبدان بهجماتها الشرسة تلبس الدور والأبواب المواربة أنفاس الرمضاء فتلهب حلوق الناس عطشا وبطونهم جوعا يشظيه صفير يتسرب من تجاويف أنوفهم وهم مرتمون تحت مظلة عريش ساكن وكأن الأرض تقدمهم قرابين لإطلالة السماء عبر فوهة شمسها البازغة بلهيبها من عين الجحيم بينما أمكث في العراء وحيدا متكورا .مسندا ظهري إلى حيث نصف ظل شجرة الأثل وعيني ساهمة لا تطرف نحو هذا التكوين الخرافي .أرهف سمعي لكل هسهسة أصوات تنبعث قريبة منه .كنت أتحرى بلهفة انشقاق هذا البياض عن جسد أبي الذي أصبح حكاية المتسامرين من أهل القرية قيل أنه اقتيد عنوة من بين وجوه الرجال بهذه التقنية السردية يزاوج المزيني بين أصوات عدة بما فيها الشخصيات التي تتحدث عن ذاتها بمونولوجات تكسر رتابة السرد وتقحم القارئ مباشرة معها وينتهي الجزء الأول حاملا معه الكثير من الأسئلة والظروف الغامضة التي تحيط بأبطال الرواية المتعبين منهم ذلك الملتاث عقليا حميد الخرازي الذي لم يكن يعرف سوى اسم أبيه إبراهيم الخرازي .وتتوقف الرواية حيث الأسئلة الملحة عن كثير من الحقائق ومآل شخصيتها التي يكتنفها الجزء الثاني من الرواية بعنوان الكدح .