بنظارته السوداء، وهجوماته على «ناقد الشنطة» وتنويعه بين الرواية العاطفية والأفقية والرأسية يطل الروائي محمد المزيني على الوسط السردي بكتابه الروائي السادس «الطقاقة بخيتة» متحدثاً عنه، وكاشفاً عن الأسباب التي تجعله يخاطب بعض الروائيين قائلاً: «الرقص أفضل من كتابة الرواية». المزيني روائي ثائر، وهذا الحوار محاولة لاستخلاص بعض أسرار ثورته.نجح الروائيون العرب بصورة عامة في أن يكون كل واحد منهم جزيرة تسبح في منطقتها الخاصة من المحيط ولها كتابها وقراؤها، ولكن روائيي المشهد المحلي يريدون أن يظهروا في وجوه بعضهم البعض كمطبات أو تقاطعات خطرة... برأيك ما السبب؟ - يبدو أن الروائيين السعوديين تعلموا طقوس المدينة طبعاً هذا متى علمنا ان خصوصية المدن السعودية رهينة تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية متشابهة تقريباً.. الأخيرة هذه غذت أنفس الروائيين بالتوجس فهي لغة أملاها عليهم السوق.. الذي تغلب في النهاية على حسابات الناس ومقاديرهم.. إذاً الرواية مع أنها لم تتعاط مع هذا السوق بما يليق به قدر تعاطيهم مثلاً مع الجنس.. كانت خاضعة لحساباته دخل فيها مفاهيم مشابهة لماركة مساجلة أو احذروا التقليد لذلك دخل الروائيون في مضمار المنافسة الخاضعة لمعايير الأحسن والأكبر.. من خلال حملات دعائية لا علاقة لها بجودة المضمون.. وتبع هذه الحملات جوقة من المطبلين.. فارتبطت الرواية في النهاية بأسماء لا بنصوص ذات قيمة عالية.. لذلك تصبح المخاوف من ظهور رواية جيدة أو روائي قادر على الوصول هي المسيطرة لتبدأ على الفور حملة غير معلنة للانتقاص والحط من قيمة الرواية.. حتى إن بعضهم مستعد لمقاطعة أي كاتب يعلن عن إصدار رواية جديدة له.. أذكر أن أحدهم كان يحذر قاصاً من مغبة الوقوع في خطيئة الكتابة الروائية. فما أن أصدر صاحبنا روايته حتى أشهر في وجهه سلاح القطيعة. ظهرت الرواية العاطفية في كتاباتك تحديداً في رواية نكهة أنثى محرمة، إلى أي حد يمكن أن يعد ذلك تنازلاً عن تقشفك السردي للكتابة العاطفية التي تستهوي القراء الشباب في هذه المرحلة؟ - يا أخي أنت تعلم يقيناً أنني لا أكتب بنفْس واحد.. وهذه منحة الاهية حباني بها أحمده عليها.. فنص مثل نكهة أنثى محرمة اشتغلت عليه بلغة عاطفية مجازية تلقائية.. اردت من خلاله تحريك أو غربلة اللغة الساكنة بلغة ساخنة.. ولأتحقق من مقولة ناقد البنيوية الدكتور الغذامي من كون اللغة أنثى.. لذلك وبعيداً عن التأثيرات الخارجية من نصوص سابقة كتبت بهذا النفس. كتبت نكهة أنثى محرمة.. ثم أني بوصفي كاتباً سردياً.. يجب ألا أحبس قلمي في حيز ضيق من القضايا.. فهناك أيضاً من هم بحاجة ماسة لقراءة نصوص تعبر عنهم مباشرة من الشباب.. ولا تستغرب يوماً متى كتبت نصوصاً للأطفال أو لليافعين.. نكهة أنثى محرمة أعدها في سياقها الخاص وظروفها الخاصة تجربة لذيذة.. استمتعت بكتابتها وما زلت أتعشق لكتابة نص آخر إن لم يقاربه في المضمون فسيقاربه في النكهة. كان لي شرف الاطلاع على فصول من مدونة روايتك القادمة «الطقاقة بخيتة» ولحظت لديك انتقالاً صارخاً من السرد الأفقي إلى الرواية المركبة التي يعلو فيها صوت الراوي العليم وكأنك تزحف إلى منطقة تجريبية جديدة، هل هذا التناول الجديد يعد تجاوزاً لمرحلة العقد الأول من الألفية لديك؟ أم أنه جزء من تكوينك السردي لكنه تأخر في الظهور فقط؟ – كأنك تحرضني للإعلان عن فحوى هذه الرواية.. عموماً الرواية الآن في طور الانجاز.. اشتغلت عليها خلال السنتين الماضيتين.. وهي كما قلت واطلعت رواية مركبة.. رواية تعلن تمرد شخوصها.. وهي بالنسبة لي تجربة كتابية جديدة من حيث الشكل أما المضمون فيقع في الحيز الذي اشتغل عليه وهو قاع المجتمع.. بشخصيات مختلفة وثرية.. كان البحث والتقصي يشغل جزءاً كبيراً منها.. وأرى أن أي كاتب رواية لا يخرج عن مساره الذي تعود عليه فسيصبح مكرراً ومملاً أيضاً.. وهذا سيكشف قدرة الكاتب على خوض غمار تجارب سردية مختلفة. انقسم الروائيون في المشهد المحلي بحسب التصنيف الإعلامي إلى روائيي «برنامج إضاءات» وروائيي «القنوات المحلية» وروائيي «البعثات والمؤتمرات الخارجية» وروائيي «البرامج الإذاعية المحلية» وروائيي «الجرائد» وروائيي «المنتديات»... إلى أي درجة ترى أن انكباب الروائي المحلي على هذه الحمى مفيد له أو ضار له؟ – دور أي كاتب روائياً كان أم شاعراً أم مقالياً هو إيصال متعة ما، أو فائدة تذكر.. بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى خارج إطار المتلقي.. فهو الوحيد الذي يملك مطرقة القاضي ليقول كلمته الفصل في العمل الجيد والعمل الرديء.. لذلك يحرص الكثير من الكتاب للوصول الى هذا القارئ اما من خلال الصوت أو الصورة.. ولا عيب في ذلك البتة.. فما دام اتجه في نصه اليه.. فلم لا يغزوه عبر كل الوسائل.. ولكن وهنا يأتي المطب.. ان لا يحقق الصوت أو الصورة ما كان يرجوه المتلقي منه.. بمعنى ان هذه الصورة تكون مشوهة للصورة الأصل التي هي النص.. وكم رأينا وسمعنا كُتاباً لم تسعفهم صورهم ولا أصواتهم بوضع لمسات إضافية في ذهن المتلقي.. بل على عكس ذلك.. أما كتاب وروائيي البعثات والمؤتمرات الخارجية فهم حقيقة محظوظون لأنهم بهذا يقدمون أنفسهم للآخرين من النقاد والروائيين.. وهي فرصة لتمتين العلاقات.. أتمنى من وزارة الإعلام والثقافة.. التكثيف من هذه البعثات وتنويع الاختيارات فيها حتى يتمكن الجميع من أخذ فرصته. ألا تخشى أن تلتصق بك لعنة الثلاثية؟ حيث يبدو أنها هي المنطلق الذي يخاطبك من خلاله القارئ والإعلامي؟ بصفتك روائياً خبيراً، كيف يمكن لكاتب أن يتخلص من لعنة رواية ضخمة كهذه بحيث لا تكون هي المنطلق والحكم والارتكاز في الحديث عنه؟ ألا تخشى أن تلغي الثلاثية بقية أعمالك كما ألغت موسم الهجرة إلى الشمال بقية روايات الطيب صالح؟ – أبداً.. لم أفكر في هذا نهائيا.. لأنني حقيقة لا أكتب كي يقال كتب وأجاد.. أو أن يشار اليّ بالبنان.. أنا أكتب من واقع مسؤولية تجيرني للكتابة المتحررة من قيود الأنا باتجاه الآخر.. رواية ضرب الرمل كانت مسؤولية تحملتها عن مشقة.. وأنا سعيد بها لأني أنجزتها عبر سنوات خمس ضابطاً نفسي مسخراً ما استطعت من وقتي لاقتناص مادة حكائية تقترب من الواقع حتى الخيال الذي ضمنته الرواية كان من وعي المجتمع نفسه المليء بالغرائبيات.. لذلك جاء هذا العمل السردي مشتملاً على تفاصيل المجتمع والتاريخ والسياسة والاقتصاد عبر تحولات زمنية ثلاث.. لذا لا تجتبني الخشية فيما ذكرته، فلكل عمل من الأعمال ذائقته الخاصة. تعودنا أن نسأل الروائيين عن الأجوبة، لكننا سنعكس الطريقة ونسألك عن الأسئلة، برأيك: متى يكون سؤال قارئ الرواية سؤالاً في العمق؟ - الأسئلة العميقة هي تلك الاسئلة الماورائية أي التي تبحث عما توارى خلف الأسطر.. وما يتضمنه من قيم يواريها الكاتب لأسباب عدة.. من الغباء جداً انبهارنا في شجاعة الكاتب عندما يصف مشهداً جنسياً مثلاً أو أن يجعل روايته مزحومة بالجنس ليتعثر بها ناقد مراهق ويصفها بأنها أعظم رواية بينما هي لا تمثل لديه سوى خليقة تعد من متروكات الزمن الغابر لديه. في احتكاكاتك الأخيرة على هامش معارض الكتب وإصدارات الروايات ومناكفاتك مع النقاد المحليين، أصبح لسانك رطباً بعبارة «ناقد الشنطة»... هل هي مزحة كما يرددها كثيرون أم أنها تحمل في طياتها ما هو جدي فعلاً؟ - بعضهم يحتج على هذه الصفة.. وماذا يمكن ان يوصف الناقد الذي يُخضع مقلاته النقدية لقانون العرض والطلب جلباً للقمة العيش أو دفعاً لمذمة صديق أو أنيس.. حتماً هو بائع والمشتري الصحيفة التي تدفع لها 500 ريال ثمناً للمقال.. وهو معذور جداً لأن لقمة العيش ساخنة. ويجب أن تبلع قبل أن يلحق بها العفن.. فلا ملامة اذاً.. ولو سألت الناقد أي ناقد صحيفة يومية لأجابك.. أنه مطالب بتعبئة المساحة أسفل صورته في العمود أو الزاوية اليومية.. فالشنطة معبأة بالأوراق ولعل «اللاب توب» حل الاشكالية. العديد من الروائيين والروائيات الشابات يتهاطلون عليك بأعمالهم وكتاباتهم القصصية لأجل المشورة وبعضهم كتاب أقوياء ولهم وزنهم، يا ترى لماذا لا يعترف هؤلاء لك بالجميل ولم يذكروا يوماً واحداً في أي موضوع عنايتك بهم واهتمامك؟ - انا مع الابداع وأقف في صف المبدع. وأفرح متى اسشارني في عمله وأعينه على طباعته.. وهذا من حقه علي ولا حقوق لي عنده.. لا أنتظر منهم سوى الاعمال الجيدة. التقطنا من بعض تعبيراتك العابرة مفهوم أن «الرقص» يمكن أن يشهر المرء أكثر من الرواية... ما سر أفعل التفضيل والفاضل والمفضول هنا؟ - أعتقد أن الرواية أصبحت وسيلة للشهرة.. وللبوح ايضاً.. ولو اتيح المجال لفتح مدارس للرقص والغناء لحلت هذه الأزمة ولتحول كثير من كتاب الرواية والشعر الى ممارسة ما هو انفع لهم واشهر.. والى ذلك الحين فسنقرأ اعمالاً روائية وشعرية كثيرة ولكن ارجو الا تعطب ذائقة القارئ من هذه الكثرة الكاثرة.. حتى يأتي يوم الرقص والغناء. أكثر أقرانك ومناكفيك يتجنبون الاحتكاك بك... هل أنت عنيف؟ - لا أبداً.. العكس صحيح.. فأنا مسالم جداً.. ولكن ربما لأني صادق ومحدد في تعاملي مع الآخرين. ما سر النظارة السوداء؟ - إنها لا تعطي الحقيقة كاملة.. ثمة ما هو أهم!