لم يعد حرجا لدى السعوديين أن يبالغوا في الحالة الخاصة التي تربطهم بقيادتهم وصولا إلى العلاقات التي تربط أفراد الأسرة المالكة. وحينما بدأ صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، رحلته العلاجية في خارج المملكة، كان السؤال الذي لا ينقطع بين الناس على اختلاف مستوياتهم، هو السؤال عن صحته ومتى يعود إلى الوطن، وكان الدعاء له بالصحة والعافية والعودة السريعة إلى الوطن لا ينقطع. هذه المحبة وهذا القبول لدى الناس لم يأت من فراغ، بل كان السبب فيه تلك العلاقة القوية بينه ومواطني هذا البلد، وما يجده الناس من حرصه على تلمس حاجاتهم والتفاعل معها، وحرصه على كل درب يؤدي إلى الخير، فهو «سلطان الخير». والأميز هنا الحديث في علاقة الملك وولي عهده، إذ لا يمكن أن ينظر إليها على أنها علاقة بين صانعي قرار فحسب، بل هي تتجاوز ذلك إلى ما يربط الأسرة الواحدة من تقارب وأحاسيس ومتابعة لشأن كل طرف من منطلق أن الجميع يمثلون كيانا واحدا. الملك وولي العهد في السادس والعشرين من شهر جمادى الآخرة 1426ه، أعلنت بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملكا للمملكة العربية السعودية، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء. انتقال السلطة وعلى النحو الذي تم فيه يؤكد من جهة تكريس القواعد المعتمدة منذ رحيل المؤسس الملك عبد العزيز، كما يوفر في الوقت نفسه، وهذا هو الأهم، عاملا أساسا للاستقرار السياسي، الأمر الذي قلما توافر على الدوام عند انتقال السلطة في دول عدة. وعلى رغم هذه الاستمرارية وهذا التواصل، فإن المرحلة الجديدة المتمثلة في زيادة وتيرة التغيير والإصلاح تحمل بلا شك سمات وبصمات شارك فيها الأمير سلطان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ففي السنوات الماضية شكل دورا أساسيا في إطلاق الإصلاح إلى الأمام وفي وضع العديد من السياسات والقرارات موضع التنفيذ. إن أقل ما يقال هنا أن الوفاء والثقة غلفت تاريخا طويلا من العلاقة بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. قال عنه خادم الحرمين الشريفين في لقاء مع جريدة السياسة حينما سئل عن صحة ولي عهده: «سلطان شفاه المولى جل في علاه مما ذهب للعلاج من أجله، كان الله تعالى رحيما به عالما بما قدمت يداه من خير لدينه ودنياه، سلطان نحسبه ولا نزكيه على الله رجلا مقداما في فعل صالح الأعمال وأذكاها تقربا إلى ربه وخدمة لعقيدته ووطنه ومواطنيه، فكان ولا يزال وسيبقى بعون الله وحفظه خير معين لنا وساعدنا الأيمن في رعاية أهل الدار وزواره من ضيوف الرحمن». ومضى الملك يقول: «لقد تابعنا ومعنا شعبنا في المملكة مسار علاجه على مدار الساعة، خصوصا أثناء العملية التي أجراها مؤخرا وتكللت بالنجاح والحمد لله والمنة .. إنه الآن في حالة صحية جيدة ويقضي بعض أيام الراحة، ونسأل الله أن يعيده إلى وطنه وأهله ومحبيه مسربلا بثوب الصحة والعافية». ولم تمض ثلاثة شهور على نجاح العملية الجراحية وفترة النقاهة التي قضاها الأمير سلطان بن عبد العزيز، حتى كانت طائرة خادم الحرمين تحط في مطار الدارالبيضاء وتشهد عناق الأخوين عناقا حميميا بين الملك وولي عهده، باعتبارهما الأخوين وشركاء المسؤولية والهدف والمصير الواحد. زخم تنموي حينما أطلق الملك عبد الله بن عبدالعزيز نظام هيئة البيعة، كان ذلك بمثابة أول طرح رسمي عن مبدأ «الاستقرار» في بلد مثل المملكة العربية السعودية، على اعتبار أن ذلك المبدأ نادر ما يناقشه المواطنون؛ لأنه في نظرهم يعيشونه إحساسا ووعيا وبالتالي تلون ملامح حياتهم في ظل نظامهم السياسي. ولا جدال أن هناك زخما تنمويا وتطويريا في السعودية بدأ يتراكم منذ نحو عقد من الزمن، أجندة إصلاحية بدأت على المستوى الداخلي بانطلاقة «الحوارات الوطنية»، والتأكيد على حقوق المرأة الشرعية وضرورة مراعاة هذه الحقوق، ومحاولات إصلاح المناهج التعليمية والتربوية، وتطوير القضاء، وإعادة صياغة الكثير من القوانين «النظم» التي تحكم الحياة العامة وتدير الشأن العام في البلاد، وتصاعد محاربة الفساد والغلو والتطرف «الإرهابي»، والعنصرية، وهدر المال العام، وبعض المرونة في الحريات العامة، ومنها اتساع نطاق حرية التعبير، والتوسع في إنشاء مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، ومنها مؤسسات حماية حقوق الإنسان الأهلية والرسمية. رؤية إصلاحية منذ أن كان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، لم يكن الأمير سلطان بعيدا في رؤيته عن الإصلاح السياسي والإداري الذي يتكامل مع الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وفي استيعاب الحراك الداخلي نحو التطوير ساعيا إلى ذلك بحكمة ورؤية وبعد نظر، وعاملا وفق المعادلات الدقيقة التي توفق بين أهمية المحافظة على الخصوصية وضرورة مواكبة التطور. لقد كان توليه اللجنة العليا للإصلاح الإداري والتنظيمي نتاج خبرة ثرية بناها خلال إشرافه على مؤسسات ضخمة في الدولة، إذ ترأس الأمير سلطان ولفترة طويلة اجتماعات اللجنة العليا لسياسة التعليم ومجلس القوى العامة ويرأس في الوقت الحاضر الهيئة العليا للدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والهيئة الوطنية لحماية البيئة الفطرية وإنمائها واللجنة الوزارية للبيئة واللجنة السعودية اليمنية المشتركة المشرفة على المشاريع التي تنفذها المملكة العربية السعودية في اليمن، إلى جانب ترؤسه لمجلس إدارة الخطوط السعودية ومجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية واللجنة العليا للتوازن الاقتصادي. بنت يد سلطان بن عبد العزيز كثيرا من مشاريع التنمية في مناطق البلاد المختلفة، إذ طالما وضعت يده حجر أساس مئات المشاريع الحيوية للمواطنين ودعم البنية التحتية لمستقبلهم، إن لم تكن بالآلاف. وبدأت قصة يد «أبي خالد» مع ملحمة البناء التنموي حينما كسب سريعا ثقة المؤسس الكبير الملك عبدالعزيز، حيث عينه أميرا على عاصمة الحكم مدينة الرياض وهو من العمر لم يبلغ بعد ال 17، فيما لم يبلغ عمر العاصمة في مرحلتها الجديدة «بعد إعلان دولة المملكة العربية السعودية» سوى 15 عاما. هنا تعانق الشاب الفتى مع عاصمة حديثة دخلت للتو طور النمو الحقيقي تجاه ما تعيشه الآن من «هيبة الجمال والأبهة» المدنية غير المسبوقة في تاريخها. اليوم تمسك يد الأمير سلطان الذي يتولى عشرات المهمات الجسام في مقدمتها ولاية العهد ووزارة الدفاع والطيران، بأهم الملفات الاستراتيجية في جميع مستوياتها سواء في السياسة الداخلية أو في العلاقة مع الخارج. وفي هذا السياق، تمهر يد الأمير سلطان توقيعه على أهم القضايا المتعلقة بشأن السعوديين من خلال سهره المتواصل على المشروع الوطني الاستراتيجي لإعادة النظر في الأنظمة وتطويرها بما يدفع إلى القضاء على البيروقراطية والكلاسيكية الإدارية التي لا تتوافق مع روح السرعة ودينماكية العصر الحالي ومستقبل العالم. فهو يترأس اللجنة العليا للتطوير الإداري التي تستهدف فك التعقيد في الأنظمة وجعلها مرنة ما أمكن. وتشهد جميع المدن السعودية في المناطق كلها على لمسات، فكم من مشروع خلاق ومؤثر وضعت يده حجر أساسه، ثم بعد حين، أطلقت اليد نفسها ثمار المشروع بعد اكتماله. حظي الأمير سلطان الذي تولى وزارة الدفاع لأكثر من أربعة عقود بشهادة صريحة من قادته ومرؤوسيه ومن ربطتهم علاقة بمشاريع الوزارة العسكرية بأنه: «كان مصرا على أن يؤدي أي مشروع عسكري في مناطق المملكة دورا مدنيا مشهودا في المنطقة التي يقام فيها»، إذ اعتبر الأمير سلطان أنه مسؤول بأن يجعل من مشاريع القوات المسلحة ثمارا على الحياة المدنية. وحينما يصر وزير المال خلال جلسات مجلس الوزراء على أن الأولوية في الإنفاق محكومة بمسارات تنموية أخرى، يتصدى الأمير سلطان إلى الأمر ويدبر أمر الإنفاق على مشروع مدرسة أو صرح طبي من ماله الخاص، وهو بذلك يزيل سريعا جميع العراقيل الإدارية المطولة ويقدم المشروع إلى المستفيدين منه في أقل بكثير من الفترة المحددة. مهندس التوازن الاقتصادي يحسب لولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز أنه مهندس برنامج التوازن الاقتصادي السعودي، الذي أسس أولى لبنات جذب الاستثمارات الصناعية ونقل التقنية والتوظيف، كما أنه صاحب أولى مبادرة التخصيص. كان الأمير سلطان بن عبد العزيز يرى أن برنامج التوازن الاقتصادي، هو محاولة ذكية للاستفادة من الأموال التي تنفقها الدولة على عقود الشراء للإسهام في دعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويتم ذلك عبر تشجيع الجهات الأجنبية على بناء شراكة استراتيجية بعيدة المدى مع القطاع الخاص السعودي من خلال توقيع اتفاقيات للتوازن الاقتصادي تلتزم فيها تلك الجهات بإعادة استثمار ما يوازي نسبة محددة من قيمة العقود المرتبطة بها مع الحكومة، لإنشاء مشاريع ذات تقنية متقدمة بالمشاركة ما بين شركات القطاع الخاص السعودي والأجنبي. وبالفعل بدأ تطبيق برنامج التوازن الاقتصادي في عام 1984م من خلال اتفاقيتي التوازن الاقتصادي اللتين أبرمتا مع كل من شركتي بوينج وشركة جنرال إلكتريك. ونظرا للتقنية العالية التي تحملها مشاريع برنامج التوازن الاقتصادي وتنوع مجالاتها، أصبحت تشكل قاعدة جيدة لكثير من الصناعات، مثل: صناعة الطيران والفضاء من خلال شركات السلام للطائرات، الإلكترونيات المتقدمة، الدولية لهندسة النظم، المعدات المكملة للطائرات، والشرق الأوسط للمحركات، والتي أصبحت توفر خدمات ذات أهمية استراتيجية للقوات المسلحة والخطوط السعودية. كما يضم البرنامج شركات تسهم بشكل فاعل في توفير احتياجات سلع أساسية مهمة مثل الشركة المتحدة للسكر، وجلاكسو السعودية، والشرق الأوسط للبطاريات. ولم يقف البرنامج عند هذا الحد، بل أصبح يلعب دورا فاعلا في الصناعة، من خلال تنسيق المشاركة الاستثمارية المباشرة للشركات السعودية ونظيرتها الأجنبية العالمية، وهو بذلك ينقلها من موقع مستورد التقنية إلى موقع المصدر لها. كما قدم البرنامج الاستشارات والمساندة للشركات في تطوير أدائها أو في توسيع حجم نشاطها، والبحث لها عن أفضل السبل والحلول المؤدية لذلك. وشهد برنامج التوازن الاقتصادي في الأعوام الأخيرة تطورا، إذ ركز على مشاريع في قطاعات التعليم والتدريب للإسهام في توفير متطلبات سوق العمل من الكوادر الوطنية المؤهلة، لكنها في الوقت نفسه لم تتجاوز الاستراتيجية المرسومة لها. عجلة الخصخصة وفي الناحية الأخرى، أدرك الأمير سلطان بن عبد العزيز أن درجة استعداد الاقتصاد السعودي للخصخصة عالية مقارنة بالكثير من الدول النامية، ويتبين ذلك من جملة أمور، فبلاده ألزمت نفسها بمبدأ السوق المفتوحة للاستيراد والتصدير منذ البداية، ولم تلجأ مطلقا للتقتير في تحويل القطاع الأجنبي إلى خارج البلاد، وتتبين قابلية الاقتصاد السعودي للخصخصة كذلك من خلال قدرته على استيعاب فائض العمالة في الأنشطة المخصصة من خلال اتباع سياسة إحلالية للعمالة الوافدة. وبعد نجاح تجربة تخصيص قطاع الاتصالات، اتخذ الأمير سلطان قرارا جريئا وطموحا بإعلان قرار تخصيص «الناقل الوطني» حينها. ولم يكن قرار الأمير سلطان التاريخي بمثابة «هرولة» إلى التخصيص، بل كان ينظر إلى أن تخصيص الخطوط السعودية هو تفعيل لاستراتيجية دولته في تحويل بعض الأنشطة التي تديرها إلى دفة ذلك القطاع. ومثل حديث الأمير سلطان بن عبد العزيز منذ البداية دليلا قويا لعزمها المضي في تأهيل قطاع النقل الجوي لمواكبة التغيرات الخارجية والداخلية والسوقية أيضا، عبر الإسراع في تطبيق برنامج تخصيص «الخطوط السعودية»، خصوصا إذا علمنا أنه كان دعما استقطع جزءا كبيرا من الموازنة السعودية، إذ تجاوزت مخصصاته في أعوام سابقة أكثر من 12 مليار ريال. وفي الجانب الآخر، فإن «الخطوط السعودية» ترتبط بواحد من أهم وأسرع قطاعات النقل وهو النقل الجوي، كما أنه يرتبط بشكل مباشر بالعديد من نشاطات القطاعات الأخرى وفي مقدمتها السياحة. واليوم قطع مشروع التخصيص مرحلة كبيرة جدا، وأولى نتائجها أن الناقل الوطني دخل مرحلة الربحية التي سبق أن وعد الأمير سلطان بن عبد العزيز بها. خبرة سياسية يملك الأمير سلطان بن عبد العزيز قدرة مشهودة في الاحتفاظ بانسجامه الذاتي ما يعكس ابتسامة صافية في أحلك المواقف الإقليمية والدولية، إضافة إلى المهارات التي فطر بها والقيم الأصيلة التي تربى عليها في كنف المؤسس الراحل الملك عبد العزيز، ليحوز بذلك على ثقة قادة العالم وإعجابهم بطاقاته التي لا تنضب. وحينما دون كثير من قادة دول العالم والشخصيات الدولية مذكراتهم ونشروها في كتب مطبوعة كان للأمير سلطان وقفة فيها، متحدثين عنه دوما بصفة الصديق الودود الموثوق. كما يلفت ولي العهد كل الزعماء والقادة والسياسيين الذين التقوا به يقظته اللافتة وفطنته الحاضرة وقدرته على إشاعة روح الثقة والانشراح في اجتماع يحضره، وهو ما اعتبروه ذكاء لامعا من القيادة السعودية في الاعتماد عليه في التواصل مع العالم الخارجي في المهمات بالغة الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية في علاقتها مع المجتمع الدولي. هذه المشاعر نفسها التي يحملها عنه قادته المباشرون بدءا من والده المؤسس ومن تولى تقاليد الحكم من بعده، إذ كان الملك الراحل الملك سعود يرتاح لطبيعة الأمير سلطان ويأخذ برأيه ورؤيته، وكذلك الأمر مع الملك فيصل الذي ارتبط بأخيه الأمير سلطان على وثاق الصداقة المتينة والتناغم ما كان له دور مؤثر في إدارة الشأن الخارجي للبلاد، ومفهوم الصداقة الخالصة كان حاضرا في علاقته مع الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، وهو الأمر الذي دفع بالملك الراحل فهد بن عبد العزيز أن يكرسه في علاقته بالأمير سلطان، وأخيرا اختيار خادم الحرمين الشريفين له وليا للعهد.