يقال «جدة غير» وعند الرجوع إلى التاريخ نجد أن نشأتها تعود إلى ما يقارب ثلاثة آلاف عام على أيدي مجموعة من الصيادين والعابرين من القرى المجاورة البحرية، وحتى عصر قريب كانت هذه المدينة تتصدر معظم المدن العربية في الجمال والكمال والبهاء، والجوائز كانت عالمية. كنا نحن أبناء هذه المدينة التاريخية نتغنى لما وصلنا إليه في الأوقات القياسية، وظهرت مدينة دبي، وتصارعت معنا في التقدم، وأقنعنا أنفسنا وأقنعنا من حولنا أن «جدة غير»، وأن هذه المدينة متقدمة في تطورها العمراني والحضاري، وياليتنا لم نفعل ذلك، لكي لا يكشف المستور في الأخبار العالمية!! ترهلت جدة وأصبحت تعاني وتعاني من تهميش المسؤولين لمتطلبات المدينة المتسارعة، وأصبحت محطات المجاري لا تستوعب مخلفاتنا المائية، والفئران في الكورنيش ترعى من حولنا بكل عنجهية، وحجوزات الطيران شبه مستحيلة في الأوقات الموسمية، والشوارع مكسرة ومترهلة دون صيانة دورية، والنفايات مبعثرة والأوراق في الشوارع مرمية، ومخططات الأراضي البور والخارجة عن النطاق العمراني مسيطر عليها والأسعار خيالية رغم عدم وجود أي نوع من الخدمات الإنسانية، والتسول عند كل إشارة مرورية، والمجاري تسحب بالوايتات، وتنشر الأمراض المستعصية منذ المرحلة الطفولية، ومياه الشرب بالوايتات من العزيزية، وتصاريح المباني من عدة أيام في السابق إلى عدة شهور رغم المكاتب الهندسية والخصخصة المظهرية، والسيارات لا تستوعبها معظم مواقف القطاعات الحكومية، والأمور تدار بالواسطة والمحسوبية، والدفاع المدني يوافق على محلات واستراحات في مجاري سيل مهترئة وأحياء عشوائية، حتى جرف السيل في أقل من خمس ساعات مباني وشوارع مدينة جدة وكشف مستور المدنية التي بدون بنية تحتية، والخطط الورقية، والأمانة الصورية، والأرصاد الجوية التي تعاد في التلفاز بدون واقعية، ومرور المخالفات الدفترية، والمستشفيات التجارية، والقطاعات التي تعتمد على البيروقراطية في المعاملات الروتينية، رغم التكنولوجيا وظهور الحكومات الإلكترونية، وتحولت الوعود الوردية لكل مسؤول لأبناء هذه المدينة إلى محاولات فاشلة، وأن المشاريع في بدايتها، رغم ضآلتها المجهرية، وأن المبالغ الفلكية التي رصدت من قبل الدولة السعودية الفتية لهذه المدينة التي تعج بالبشرية أقل بكثير من القيمة التشغيلية لمشاريع جدة الوهمية، والكل أصبح جاهزا لحماية منصبه ومركزه ومشاريعه الوهمية، والصحف والقنوات الفضائية طرحت الموضوع بكل شفافية. آه يا جدة، لو استمرت الأمطار أكثر من 24 ساعة بنفس المستوى والكمية لأصبحت حياة أكثر من ثلاثة ملايين نسمة في المدن المجاورة في خطر. آه يا جدة، لو استمرت الأمطار لأكثر من 48 ساعة لكنا جميعا في عداد المفقودين ودخلنا تاريخ الأرقام القياسية. آه يا جدة، عندما يعود بنا التاريخ إلى الوراء ونرى تاريخك نتأسف على حاضرك ونخاف على مستقبلك من التخطيط والتخبيط والعشوائية. آه يا جدة، عندما نرى الضحايا بالعشرات أو المئات في مجاري السيول والصور في القنوات الفضائية نصاب باليأس ونترحم على من مات. د. حسن بن أحمد عنبر شركة أرامكو السعودية