عيدكم مبارك ومن العائدين الفائزين.. قلناها لكل من قابلناه، واستقبلناها ممن لقيناه، ونقولها لمن عايدناه، وسمعناها مرات كثيرات من الكبير والصغير من القريب والبعيد، وكل من واجهناه يوم العيد أدى التحية بأحسن منها وبأريحية متبسمة ومال إلينا بوجه طلق ونثر من فمه كلمات تتراقص فرحى تنطق : فاهنأ بعيد عاد يشتمل الرضى جذلان يرفل في حلى استبشار مرت أيام عشناها فأديناها بكل عفوية وبابتسامة تشرق بها كل المحايا بصدور أوسع من عالية نجده تتسع لكل من مشى على الأرض فكان ذلك ديدن النفوس سرورا وحبورا اعتدناه من كل نفس سوية كتب لها أن تهنأ بالعيد السعيد وهي تصر على أن تظهر بثوبها الحق الذي فطرها الله عليه مؤكدة لذاتها أن هذا مكانك لتحمدي فعودي لحقيقتك إن شط بك النوى، واسترجعي أيتها النفس المطمئنة ما قد تكوني شغلت عنه وأنت تلهثين وأنت تتكدرين وأنت ... وأنت ...حتى نسيت أصلك العظيم الذي فطرك عليه بديع السماوات ودأبت أيتها السوية في خضم التزاحم على المظاهر على تنظيف الوحل أمام بيتك وغاب عنك تنظيف مشاعرك. إنه العيد.. استعادة البراءة والعفوية التي صحبتنا أطفالا ثم مرغتها أثقال الحياة ومتاعبها وعاثت بها ثعالبها، وما إن يأتي العيد حتى نحس بحاجتنا لأن تعاودنا السماحة والبساطة ففقدنا لها كفقدنا للماء وحاجتنا لها كحاجتنا لأن نشم أريج الجمال كل حين، وها نحن كل عيد نتعاهد على بقاء الإنسانية بيننا ليعيدنا التواصي بالحق والرجوع إليه إلى نقاء البرد ولون الثلج لئلا نلبث كهذه التي لا هم لها إلا الأكل والشرب ولتستمر العودة المتجددة التي تحول بيننا وبين العودة لحالة الكدر والغفلة. إنه يوم عودة النفس لصفائها ومراجعتها عمل سنة ماضية وبرمجة جدول سنة قادمة. عيد الأضحى تلك المناسبة السنوية التي تأتينا كل سنة لتومض في أفئدتنا فتعيدنا لتاريخ أبينا إبراهيم عليه السلام حين قدم مكة بزوجته هاجر وابنه إسماعيل فتركهما في واد غير ذي زرع ولا جار فكان الابتلاء الذي يصقل الأقوياء.. ثم يأتي الابتلاء الثاني حين يرى الأب أنه يقتل ابنه فيتعرضه الشيطان مرات ليصده عن أمر الله فينتصر الإخلاص ويلبي الإيمان النداء فيكون الأداء على أكمل وجه فيرفع صاحبه لدرجة الأصفياء ويكون من خاصة الأولياء الذين يتولاهم المولى فينزل الفداء من السماء. إننا اليوم وإلى يوم الدين نعيد ذكريات إبراهيم وابنه عليهما السلام ونعلن على دربهما أننا برمي الجمار نتحدى الشيطان أن يغلبنا أو يغوينا مهما حاول أو كمن لنا في شهوات أو عنجهيات . وما رجمنا في المواقع التي ترصد فيها الشيطان لأبينا ليصده عن طاعة ربه إلا نبذ للغواية وبصق على الغاوين نجدده كل حين وما أضاحينا إلا فداء نقدمه لله في سبيل أن يبقى الحق والخير وأن نسير متعاضدين على الطريق السوي. وحين نقول: الله أكبر ولله الحمد فإننا نؤكد على ارتفاعنا عن الطين ونمد أعناقنا إلى السماء مبتغين التحرر من كل عبودية شاكرين الله على نعمه، وأن ليس بيننا وبينه واسطة هو القريب منا السامع لنا الكفء فيما يعوزنا . لقد كان عيد رسول الله تعبيرا عن فرح المسلم بحصيلة سنة من الأعمال الصالحة وسرورا بمكاسب أنجزت بفضل الله ثم بعزيمة الصادقين فحق للنفس الراضية أن تبتهج بطريقة تناسب شموخها. لا توهن عزائمنا عقبات الطريق وما قد يعترضنا من حفر ولا يعوقنا عن مواصلة المسير اعوجاجه ونحن قادرون على تحديد وجهته والعودة به لاستقامته إذ قد روض سالكوه نفوسهم على سمو المبادئ والعودة وإن عظم الكرب للبناء فهم مؤمنون بقضاء الله وقدره ولله في كل حال حكمته. فلنضح بالغالي والرخيص من أجل المبادئ ولنتنازل عن أنانياتنا من أجل وطننا ونقوي وحدتنا ونعد قوتنا فلا نترك الدمامل تستشري لتعم جسمنا بل نقضي عليها في مهدها ولا ندع الوحش يبطش بمن بابه مهترىء إذا كانت أبوابنا موصدة. إنه عيد التفاؤل والتضحية والإشراق ومهما كان فلن يعوق ذوي العزائم شيء فالشمس تعود مشرقه، والأزهار تصبح متفتحة، والأشجار بعد يباس تظهر مثمرة، أفيكون الإنسان الراشد العاقل عقيما ؟!.. [email protected]