قبلة جبين ودعوة صادقة في لحظة وداع لمدينة الخيام .. تلك كانت ردة الفعل الرمزية لمئات الحجاج الذي عاشوا في حضن شيخ مطوفي حجاج الداخل العم عابد عبدربه الهاشم القرشي الذي أمضى نصف قرن بين هتافات التلبية في المشاعر المقدسة ليبعده المرض عن مشاهدة حجاج بيت الله الحرام هذا العام. تلك القبلة كانت بمثابة ترياق طبي شع في جسده حيوية وقوة ورسمت ملامح البسمة. هذا الرجل الذي قطف ورقة خريفه ال 80 لم يتمالك مشاعره في البقاء تحت الرعاية الطبية في منزله، حيث قاده الحنين للعودة الإجبارية لبضع ساعات إلى منى. فنقله أبناؤه العشرة إلى مخيمه الواقع تحت كوبري الملك عبد العزيز وهناك عانق القرشي ضيوفه الحجاج الذين بنى معهم علاقات صداقة وطيدة رشحته خلال كل السنوات التي عمل بها كمالك حملة على اقتناص المقاعد المتقدمة بين ترتيب الحملات لدى وزارة الحج سنويا، حيث لم ترصد عليه لجان المراقبة الميدانية ملاحظات خلال 20 سنة ماضية. يغوص بنا العم عابد الهاشم بالذاكرة إلى بدايات عمله في خدمة الحجاج في التسعينات الهجرية عندما كانت منى الوادي لا تتجاوز مساحات مخيماته بضعة أمتار يقول «كانت الخيام متقاربة متلاصقة تسمح ببناء علاقات ود حميمية بين الحجاج، حيث يلتقون في بطن الوادي ويسلم بعضهم على الآخر فأعدادهم الآلاف معدودة». لكن مع مرور الزمن تسارعت عجلة التطور في الخدمات ليكون عام 1417 ه نقلة نوعية في مشعر منى بعد الحريق الهائل الذي التهم الخيام، كنت حينها أجلس والحجاج حولي في يوم التروية نرقب تلك الفاجعة من مقرنا في مجر الكبش، لا أنسى تصاعد الدخان الذي غطى سماء منى. فجاءت الخيام المطورة لتغير وجوه منى وتحيلها إلى مدينة حضارية، وهذا ما دفع ملاك الحملات إلى إقامة مخيمات مطورة ألمانية في مشعر عرفات وهذا ما حرصت عليه، حيث أقامتها هناك رغم تكلفتها المادية ولكنها توفر الراحة التامة لضيوف الرحمن. يضيف القرشي حول مواقف لا تنسى في ذاكرة الحج، ويقول «قبل 17 عاما، تفاجأت عند توزيع مواقع المخيمات في منى بتحديد موقع مخيمي خارج منى وهذا ما أزعجني، حيث كان الموقع بعيدا رغم أني أشعرت الحجاج أن الموقع سيكون في منى مما اضطرني إلى استئجار مبانٍ مكلفة بالقرب من مجر الكبش أنذاك وخرجت من الموسم كما دخلت فيه بلا مكاسب سوى الدعاء الصالح».