أكثر المواقع التي تتجلى فيها الحالات الإنسانية تكون في المواجهات العسكرية، إذ تبرز فطرة الإنسان العسكري عندما يكون مدججا بالسلاح وفي صدره قلب رحيم على أسرته وأبناء المنطقة من غير الأعداء ولا يفارقه في أحلك الظروف التي يعيشها وسط القذائف والمدافع. في الجبهة الأمامية رصدت «عكاظ» قصصا إنسانية عند جنود تركوا كل ما لديهم من أسر وأبناء في سبيل تلبية نداء الوطن، ومنهم ضابط في القوات المسلحة يحمل رتبة نقيب رفض تصويره في الوهلة الأولى، وبعد محاولات لمعرفة السبب باح بما لا يريد الإفصاح عنه «لم أخبر زوجتي بتواجدي في الجبهة فهي تظن أنني في مدينة خميس مشيط حاليا، فلو أخبرتها لتفاقم عليها مرضها النفسي ولا أريد أن أزعجها»، مضيفا أنه رغم سيطرة قواتنا المسلحة على الوضع في ساحة المعركة إلا أن الحرب بحد ذاتها كلمة تقلق أسر المشاركين فيها. ويبرر ل «عكاظ» أحد الجنود برتبة عريف رفضه التصوير أيضا «كيلا تراني والدتي المسنة المريضة، إذ أخبرتها أنني مرابط في الحج». ويتحدث الجندي بمعنويات مرتفعة بالقول إنه ابنها الأكبر والوحيد ولديه ثلاث شقيقات ولذلك فهي تخشى عليه كثيرا وازداد خوفها بعد أن أصابها داء السرطان. ويتابع: عندما جاءني خبر ذهابي إلى الجبهة احترت بين أن أخبرها أو أخبئ عنها الأمر، وقررت أن أخفي عليها الأمر خوفا على صحتها، مضيفا أنه رغم ذلك فإنه يعمل بروح معنوية مرتفعة وهو في مهمة إنسانية ووطنية وهذا أغلى من أي شيء. فيما يؤكد الرقيب في القوات البرية محمد العبد الله أنه أخبر الجميع (والديه وأشقاءه وزوجته)، بمشاركته في المواجهات العسكرية في مطاردة المعتدين على الحدود الجنوبية، وجميعهم شجعوه على ذلك، ما ساهم في رفع معنوياته، إلا أنه اضطر على السفر دون أن يودع ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات، فهو ابنه الوحيد وهو متعلق به كثيرا، فلا ينام إلا بقربه ولا يأكل إلا من يده، لذلك قررنا أنا ووالدته أن أخرج دون أن نشعره بذلك.