قضت «عكاظ» يوما مع 25 حاجا فلسطينيا من المصابين وذوي الاحتياجات الخاصة، رووا لنا قصص جراحاتهم وآلامهم التي منوا بها بعد أن ولدتهم أمهاتهم أصحاء كاملين، ولكن يد الغدر الإسرائيلية لم تدعهم يكملون حياتهم بغير عاهات وإصابات، وكل ذنبهم أنهم يعيشون في أرضهم ووطنهم مع عدو لا يرحم كبيرا أو صغيرا حتى تحولت أحلامهم في العيش الكريم إلى سراب. كان الحج بالنسبة لهم حلما يستحيل تحقيقه، جراء العجز والفقر والبطالة التي يعانون منها، لكن أيادي بيضاء امتدت لتساعد في تحويل أحلامهم إلى حقيقة ماثلة بقدومهم إلى الأراضي المقدسة لتأدية فريضة الحج، فكانوا ضمن مواكب الرحمن لهذه السنة. تحقيق الحلم على كرسي متحرك، استقبلنا الحاج محمود فراج أبو مرة، كان وجهه الباسم ينبئ بسعادة غامرة تعتمل في قلبه، بادر عندما سألته عن إصابته «أحلامي كانت كبيرة وكثيرة، وكنت في ال 22 من عمري، ذات يوم، فاجأتنا دبابة إسرائيلية عندما كنت أسير مع بعض الأصدقاء في أحد شوارع غزة، وبدأت تطلق علينا النار ولم يكن أمامنا غير رشقها بالحجارة، ولكن ماذا يفعل الحجر في وجه دبابة؟». وأكمل: أصبت بطلق ناري نتج عنه شلل نصفي ما زلت أعاني من آثاره منذ عام 1993م حتى اليوم، ولكن هذه الإصابة لم تمنعني من مواصلة حياتي، حيث تزوجت وأنجبت أطفالا وانطلقت في حياتي، ولكن حلم الحج إلى بيت الله بقي عصيا على التحقيق، إلى أن جاء الفرج من هذه الجمعية الخيرية التي أمنت حجنا إلى هذه الأراضي المقدسة. توقف أبو مرة قليلا ليلتقط أنفاسه بكأس ماء بارد، وتابع: وصلنا في رحلة حجنا هذه إلى مصر عبر معبر رفح الحدودي، وأكملنا رحلتنا حتى وصلنا مطار العريش، ومنه إلى الأراضي السعودية، لم أصدق نفسي عندما كانت عجلات كرسيي المتحرك تلامس أرض مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، أشواقنا سبقت أجسادنا إلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة. طائرة الأباتشي لمحت حاجا آخر، لم يمنعه كرسيه المتحرك من التقاط الصور التذكارية، لاحظت ساقيه المبتورتين، «أسامة فؤاد أبو عسكر»، هكذا قال معرفا عن نفسه، وأكمل: عمري 37 عاما وفقدت ساقي في استهداف لطائرة حربية إسرائيلية من طراز أباتشي، أصبت بطلق ناري منها فقدت على إثر هذه الإصابة القدرة على المشي، ولم أكن أفكر قط في الحج لأوضاعي المادية الصعبة رغم أنني كنت أحيا على هذا الأمل. سكت برهة وتابع : «عندما وصلت إلى مكةالمكرمة، لم أشعر بإعاقتي مطلقا، أحسست أنني ولدت من جديد، وأن حياتي بدأت من الأراضي المقدسة، ولم تعد حياتي كما كانت. الانتقام من تحرير ومن زاوية أخرى من المكان، أقبل الحاج جميل شاهين، وهو يدفع عربة جلست عليها زوجته أم بلال والتي أسمتها أسرتها «تحرير»، فكان هذا الاسم إدانة لها، جعلت الجيش الإسرائيلي ينتقم منها بطلقة دبابة أصابت قدميها حينما كانت تشارك في مسيرة سلمية مع مجموعة من النسوة للمطالبة بإطلاق شباب محاصرين في أحد مساجد غزة. تحدثت تحرير بدموع منهالة، وكأنما الذكرى أعادت إلى قلبها الألم والحسرة «بعد إصابتي في قدمي لم يعد لدي حلم سوى الحج لبيت الله الحرام، رغم كل الظروف الصعبة التي تحيط بنا بداية من وجود سبعة أبناء لدي، وانتهاء بظروف زوجي الصعبة الذي يعمل مدرسا في قطاع غزة، إلا أن هذه الظروف لم تكن عائقا أمام الأمل الكبير الذي كنا نتطلع إلى تحققه». الروح قبل الجسد غادرنا تحرير وزوجها، واصطحبنا مشرف الحملة إلى غرفة جانبية مغلقة، فوجئت عندما عرفنا به الشخص المتمدد على سرير، قال إن هذا الشخص هو صاحب فكرة الحملة، وسبب بقائه على السرير عدم قدرته على الحركة، نتيجة إصابته بشلل رباعي أثناء ذهابه إلى مدينة القدس للصلاة في المسجد الأقصى عام 1993م ليصاب بشلل رباعي أعجزه عن الحركة. يروي صلاح مصطفى عثمان، الذي أكمل عامه ال 37 قصة معاناته بصوت خافت متقطع «بعد إصابتي برصاص العدو في غزة، نقلت إلى مستشفى إسرائيلي، وهناك قرروا وفاتي سريريا ونقلوني بعدها إلى مشفى دار الشفاء، ولكن إرادة الله كانت أكبر، حيث كتبت لي الحياة من جديد، ومنذ ذاك اليوم، وأنا أعمل من على سريري في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتأهيلهم». ونحن نهم بالخروج من الغرفة، دخل أصغر شاب في الحملة سائرا على قدم واحدة، أقبل علينا مبتسما وهو يقفز على قدم واحدة، عرفنا باسمه: بشير أيمن عبد ربه من بلدة جباليا، وقال إن عمره 24 عاما. تحدث بشير عن إصابته «أصابني صاروخ أثناء سيري مع مجموعة من الأصدقاء في عام 2008 م، وفقدت قدمي، واستشهد باقي أصدقائي، ولكن هذا الحادث كان دافعا كبيرا لي، حيث أكملت دراستي في قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة، وأعمل منشدا في المناسبات والأفراح».