بعد أن حال الحصار الإسرائيلي بين سكان مدينة غزة الفلسطينية وأدائهم مناسك الحج العام الماضي، تمكن عدد من أسر شهداء غزة هذا الموسم من أداء الشعيرة، إذ حلوا في المشاعر ضيوفاً على خادم الحرمين الشريفين، حاملين كثيراً من الجروح والآلام التي خلفها المحتلون على أجسادهم ونفوسهم. ويروي الحاج جابر عبدالدائم أن حرب غزة الأخيرة التي منعت العام الماضي من أداء الفريضة مرت بمراحل عدة، كانت البداية المؤلمة بقصف المباني السكنية والمستشفيات والمدارس إلى جانب المساجد والمقابر، وطاولت أيضاً سرادق العزاء والجنائز المحمولة في طريقها للدفن. وأوضح أن العدو استخدم العديد من الأسلحة المتطورة لقتال العزل، منها طائرات إف 16 والأباتشي، بعد مرحلة الزحف البري بالمصفحات والدبابات وآلات الحرب المفزعة والقنابل الفوسفورية التي لاتبقي ولاتذر «منتهجة سياسة الأرض المحروقة تجاهنا». وتذكر عبدالدائم الإصابة التي لحقت به جراء شظية من قذيفة مدفعية ألزمته السرير الأبيض في أحد مستشفيات تركيا عاماً كاملاً، «لا تزال آثارها مرسومة على جسدي»، وواصل سرد المعاناة بصوت مبحوح وبوجه لم يفارقه الحزن « في ذلك العدوان استشهد ثلاثة من أبنائي منهم رضيع في شهره السابع ووجدته قد تحول إلى أشلاء وهناك أسر كثيرة عانوا من فقد فلذات أكبادهم وذويهم من الشبان والشابات والكهول والنساء». وذكر أن انقطاع الكهرباء والماء والمحروقات عنهم آنذاك أعادتهم إلى عصور الإنسان البدائي، مشيراً إلى أنهم اضطروا إلى استخدام زيوت الطعام التي تصلهم من طريق التهريب لمحركات مركباتهم. والاستعانة بالحطب لتحضير الطعام وقضاء الليالي على أضواء الشموع. وكشف الحاج عادل الصوالحة عن استشهاد عوائل بأكملها جراء الحرب الضروس التي استمرت 22 يوماً وقال: «نحن شعب عايشنا الحروب والتشريد وآلام الاحتلال»، مشيراً إلى أن ثقتهم بالله ثم الأيادي الحانية التي تمتد إليهم من إخوانهم المسلمين تبث في نفوسهم الأمل وترسم الابتسامة على محيا الأطفال الأبرياء. مقدماً شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي استضاف عدداً منهم هذا العام لتأديه فريضة الحج على نفقته. وتابع: «أصبت بطلقة نارية في أطرافي السفلية وأبنائي منهم من بترت أقدامه وتعرض بعض أقربائي إلى شلل كامل». بدورها، ابتهلت الحاجة صفية سكيك لله بالدعاء للقيادة السعودية التي مكنتها من قضاء فريضتها، وعبرت عن آلام وانكسارات نفسية لازالت تعتريها نتيجة فراق ابنها «بهاء» كأحد ضحايا الحرب، متمنية أن يقف النزيف الدموي وتعود الأمة الإسلامية إلى تاريخها المجيد.