أهل العلم، ومن يفترض بهم أن يكونوا كذلك، يجب أن تظل حصتهم من الأخلاق موفورة، لا نقص فيها ولا تطفيف. يعاتبون بفتح التاء أكثر من غيرهم، ويشنع عليهم في الصغيرة، ويلامون في اليسيرة. لأن خطأ البياض أوفر سوادا من السواد. الساحة المعرفية العلمية، بين فينة وأخرى، تصاب بأزمة أخلاق نقاشية، وتحتدم الأقلام / السيوف، لتري بعضها أيها أشد فتكا، وأعلى صخبا، وأسرع خيلا في ميادين الضجيج. وبما أن أهل العلم هم أساس بعض هذا الجدال المحتدم، برأي يخالف السائد مثلا، أو هوى في النفس تم كشفه والرجوع عنه، أو ربما، تم تشربه، والسعي إليه وهم بشر والله ، فإنه كان لزاما، ليس أن يكفوا ألسنة التلاميذ المريدين، حماة جناب الشيخ، عن أية فكرة أخرى تنقض فكرته، أوتغربلها، بل أن يكفوا ألسنتهم هم، من باب أولى، ونافذة أحق. لأن للمشيخة مروءات تخرم وتخترق وتزول حين يصبح ديدنها متابعة أسهم بورصة «الخلاف»، والاكتتاب فيه. ونشهد، وتشهد الساحة الشيخ، والشيخين، يبتدران لقول، فيتفرغان لبعضهما، أو يتفرغ لهم «فارغون» أصلا، منتظرين لكل قول «آخر»، مطبقين عليه أحكام الدين: من الإغلاظ في القول، وإلى «الردّة» إن لزم الأمر. وفي الساحة كثيرون لا هم لهم إلا شحذ الفؤوس، وجمع الحطب، لتأجيج حروب الجعجعة، والبحث عن مواقد أكثر سخونة وأشد إنضاجا للفتنة. الصدع بالحق، ما كان يوما بالصراخ ولا الضجيج، ولا تحين وقت الغنائم، وتوزيع الأسلاب. الصدع بالحقّ أسلوب منير سائر ممتد، لا يأخذ وقتا، ولا يتحين فرصا. **** أن يكون كل ما يهم «طالب العلم» المفترض، أن يعرف كيف شتم الشيخ فلان الشيخ فلانا، وكيف أفحم الشيخ فلان الشيخ فلانا، وكيف أسكته، وأربكه، ودمغه.. فإذا هو زاهق، ينذر بجيل معبأ بالفراغ، متخم بالخواء، مهدد بالإفلاس. وهذا ليس بنادر ولا قليل، ومصيبة أن يسعى بعض أهل العلم وطلابه لحوار القسس والرهبان والحاخامات والكرادلة، وبعضهم لم يغمدوا بعد.. سيوف «الخلاف» بينهم. [email protected]