«أنا خادم لكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله». بهذا المقولة، يمكن أن تتلخص حياة الدكتور الراحل: مصطفى محمود كما قالها هو بنفسه من غير أن ينضم لهيئة إفتاء رسمية، ولا لجمعية تضم الحائزين على أوسمة الدولة والوطن والمجتمع والشهرة، ومن غير أن تلمح وجهه مدعوا أو غير مدعوٍ إلى كل مؤتمر وعلى كل طاولة. كان الرجل النخبوي في قاع الهم الشعبي، والرجل الشعبي على هرم النخبوية المعرفية. ولذلك وحدهم الفقراء بكوه كثيرا، متسائلين من ذا الذي سيخلف الرجل / المؤسسة / المدرسة / المشفى / الساحة الكبرى لقلوب الناس، وعقولهم، واحتياجاتهم على السواء. أجرى حواره المطول مع صديقه الملحد، وحواراته الأطول مع جمهوره المؤمن بالعمل والإيمان. واختارته مؤسسة السيرة الأمريكية في عام 2003 كأعظم العقول في القرن 21 ضمن 120 مفكرا من مختلف دول العالم. وما كان همه أن تتضاعف الأوسمة، ولا أن تتصدر صوره و مراجعاته وتراجعاته الصحف والقنوات. الذي تضاعف: حجم إنفاقاته الخيرية، تكدس الفقراء اللاهجين بحبه وقربه على بابه، مستشفى يقوم على فكرته، وتحت إشرافه برأسمال 80 مليون جنيه، أربعة آلاف وجبة ساخنة تصل لمحتاجيها، 8 آلاف معاش شهري للأيتام والعجزة. هذا درس لكل الذين أدمنوا الضجيج، مفاده أن النخبوية لا تعني فتل الشارب على ورق الصحف، قدر ما تعني كفكفة دموع المحتاجين على «زفت» الأزقة. ودرس توازي فيه الأيدي العاملة، وفرة الشهادات المعلقة. وهو درس صارم لحملة الأفكار، في معنى الشجاعة في التراجع، وفي كونها مبدأ بحاثا خلاقا مستمرا، للوصول نحو الحقيقة المفترضة لا المفتعلة. ولليقين المقتنع، لا للعناوين المفبركة. نقطة أخيرة: «يقال» إن الدكتور فقد الذاكرة في آخر عمره، وأتساءل: أحقا فقد الذاكرة الرجل الذي علمنا كيف نشحذها ونشحنها ونهبها ونمنحها ونوسع أفقها، أم أولئك الذين تناسوه وتركوه وأهملوه حتى أيقظتهم جنازته صباح السبت الذي سيدونه الفقراء في مذكراتهم المهترئة أكثر من أي سبت آخر. (*) العنوان من نص لغادة السمان عن مصطفى محمود. [email protected]