عبد العزيز البرتاوي - نقلا عن الاسلام اليوم العلماء، ومن يفترض بهم أن يكونوا كذلك، يجب أن تظلّ حصتهم من الأخلاق موفورة، لا نقص فيها ولا تطفيف. يعاتبون –بفتح الباء- أكثر من غيرهم، ويشنّع عليهم في الصغيرة، ويلامون في اليسيرة. لأنّ خطأ البياض أوفر سواداً من السواد. الساحة المعرفية العلمية، بين فينة وأخرى، تصاب بأزمة أخلاق نقاشية، وتحتدم الأقلام/السيوف، لتري بعضها أيها أشدّ فتكاً، وأعلى صخباً، وأسرع خيلاُ في ميادين الضجيج. وبما أن العلماء، ومن يحسب عليهم، هم أساس بعض هذا الجدل المحتدم، برأي يخالف السائد مثلاً، أو هوى في النفس تمّ كشفه والرجوع عنه، أو ربما، تشربه، والسعي إليه – وهم بشر والله-، فإنه كان لزاماً، ليس أن يكفوا ألسنة التلاميذ المريدين، حماة جناب الشيخ المعظم، عن أي فكرة أخرى تنقض فكرته، أو تغربلها، بل أن يكفوا ألسنتهم هم، من باب أولى، و"نافذة" أحقّ. لأنّ لل"مشيخة" مروءاتٍ تُخرم وتُخرق وتخترق وتزول حين يصبح ديدنها متابعة أسهم بورصة "الخلاف"، والاكتتاب فيه. ونشهد، وتشهد الساحة الشيخ، والشيخين، يبتدران لقول، فيتفرغان لبعضهما، أو يتفرغ لهم "فارغون" أصلاً، منتظرون لكلّ قول "آخر"، ليطبّقوا عليه أحكام الدين: من الإغلاظ في القول، وإلى "الردّة" إن لزم الأمر. وفي الساحة كثيرون لا همّ لهم إلا شحذ الفؤوس، وجمع الحطب، لتأجيج حروب الجعجعة، والبحث عن مواقد أكثر سخونة وأشد إنضاجاً للفتنة. الصدع بالحق، ما كان يوماً بالصراخ ولا الضجيج، ولا تحيّن وقت الغنائم، وتوزيع الأسلاب. الصدع بالحقّ أسلوب منير سائر ممتدّ، لا يأخذ وقتاً، ولا يتحيّن فرصةً، إلا في أجندة الجبناء. والساكت عن الحقّ .. شيخ ينوي منصباً. **** أن يكون كلّ ما يهم "طالب العلم" المفترض، أن يعرف كيف شتم الشيخ فلان، الشيخَ فلانا، وكيف أفحم الشيخ فلان، الشيخَ فلانا، وكيف أسكته، وأربكه، ودمغه .. فإذا هو زاهق، وأن تصبح جدالات الشيوخ مقتنىً علميا يحرص عليه طالبو العلمِ الصغار، مما ينذر بجيل معبأ بالفراغ، متخم بالخواء، مهدد بالإفلاس. الشيوخ الذين أدمنوا الجعجعة، حرام أن يشيّخوا أوّلا، وحرام عليهم أولئك الذين يرونهم شرع الله متمثّلا يسير على قدمين. وحرام عليهم أخيراً حين يتجاوزن نصوص الرقة والرأفة والخلق الهيّن الليّن، إلى التكشير والهمز واللمز، بحجّة قمع أعداء الحقّ والدين الآخرين. وربما تتبدّى أخيراً، أمثولة التدجين لكثير من "الشيوخ"، على مستوى الرأي الواحد، والقول الواحد، والوجهةِ الواحدة، والقطيع الواحد، مما ينتج كبتاً، يولّد مثل أزمات الضجيج والشذوذ هذه، وللأسف لا يمكن أن يكون ذلك، إلا تجاه "شيوخ" آخرين، وبصفعات من القول والحديث واللسان، ليتباروا أخيراً، أمام المدجّن الأكبر: أينا أجرأ في الحقّ، وأكثر قوّة وحِجاجا، والقوّة المعنيّة هنا .. الإمعان في التدجين ليس إلا !