يترقبون الأربعاء، ويتطلعون إلى عطلة نهاية الأسبوع للانطلاق إلى هناك .. إلى مسقط الرأس، منهم من يذهب لزيارة الأسرة أو العائلة الممتدة، ومنهم من تربطه زراعة أو تجارة، ومنهم من تربطه علاقة من نوع خاص مع المكان، هؤلاء يختلفون في المهنة والعمر وسبب الارتباط بالمكان، لكن جميعهم يتفقون في هدف واحد، هو شد الرحال والذهاب إلى القرى والهجر والسفر إلى قلب الصحراء بعيدا عن ضوضاء المدن وأعباء الوظيفة. والقاسم المشترك أن ليوم الأربعاء قصة ورواية تختلف من شخص إلى آخر. عقدة حادث سعد مسلم الفهمي له مع نهاية الأسبوع قصة، يقول عنها: أرحل لكي أعود، والسبب أخي الأصغر الذي يعمل في القنفذة حيث سبق أن تعرض قبل أربعة أعوام لحادث مروري، نجا منه بفضل الله، ولكن أصيب بحالة نفسية من قيادة السيارة، فمنذ ذلك الوقت لم يستطع أن يجلس خلف مقود السيارة رغم أنه حاول وحاولنا معه، لكنه أصيب على ما يبدو ب «فوبيا» القيادة، بل لا يقبل أن يصعد سيارات الأجرة، أو مع الآخرين، لذلك أذهب إليه في نهاية دوام كل أربعاء، لأصطحبه إلى الأسرة ثم أعيده إلى مقر عمله مساء الجمعة. الوضع قد يبدو صعبا، لكن لا حل أمامي سوى ذلك. والدي والإبل محمد عوض الله الحربي، له قصة أخرى مع نهاية الأسبوع حيث يأخذه الحنين الاضطراري إلى والده، يقول عنه: والدي من عشاق تربية الإبل ولديه أعداد كبيرة منها قرب مهد الذهب، وهو يرفض أن يبتعد عنها، كما أنه حريص جدا على إطعامها من المراعي الطبيعية، ويرفض أن تتناول الأعلاف الجاهزة، وهذا يجعله دائم الترحال إلى أماكن بعيدة جدا، كلما بعدت المسافة زاد الوقت الذي أستغرقه من أجل الوصول إليه، لذلك أتمنى أن تأتي الأيام المقبلة بالمراعي القريبة، حتى لا أقطع مسافات في الوصول إليه، المهم أسبوعيا وفور انتهاء دوام الأربعاء أتوجه إليه مباشرة رغم المجهود الذهني والجسمي الذي أبذله في عملي طيلة الأسبوع، إلا أنني لا أفكر في التخلف عن لقاء والدي الذي لم ينقطع منذ ستة أعوام مضت، حتى لو تعطلت سيارتي فإنني أستعير سيارة صديق وأستأجر سيارة والسبب أن نهاية الأسبوع هي الفرصة الوحيدة التي يلتقي فيها أفراد أسرتي، وفي الجمعة يعود الوالد إلى الإبل وأعود إلى مقر عملي. طريق الهدا صالح البشيري يغادر إلى الطائف أسبوعيا وعن سبب ذلك يقول: أظل على شوق كبير وتفكير عميق حتى ينتهي دوام الأربعاء، لأتوجه نحو أهلي في الطائف. وظيفتي تحتم بقائي طيلة الأسبوع في جدة، ومنذ تسلمت مهام عملي لم أتغيب عن السفر إلى الطائف أسبوعيا، لا أجد صعوبة في الذهاب إلى هناك مطلقا باستثناء فترة إغلاق طريق الهدا، لأنني لا أحب السير على طريق السيل فهو موحش بالنسبة لي، إنه مكتظ بالشاحنات وبه كثافة مرورية عالية، لكن افتتاح طريق الهدا خفف عني الإحساس بهذا الشعور، لذلك لا أتردد في نهاية دوام الأربعاء من الانطلاق نحو الطائف. الوصية والمحصول حمدان مسفر العتيبي، له ظروف أخرى فهو يغادر أسبوعيا من جدة لتفقد مزرعته على مشارف المدينةالمنورة، وعن ظروفه وتجربته يقول: ورثت مزرعة عن جدي ورغم أنها لم تأت لي إلا بالتعب والمجهود المضني، لكن لا أستطيع التخلص منها تنفيذا لوصية جدي، الذي أوصى والدي بعدم بيعها نهائيا، ومن حرصه عليها أنه أوصى بدفنه فيها بعد موته، لكنه تراجع عن ذلك في آخر لحظات حياته. واستطرد قائلا: لا أتغيب عنها لفترات طويلة، لأن العمال لا يستطيعون بمفردهم متابعة شؤونها، بل لا يكونون عند مستوى الثقة أحيانا، ولي تجارب كثيرة معهم كان آخرها عندما زرعت كل المساحة قبل عامين بالطماطم وكان المحصول جيدا ووفيرا وتعشمت خيرا، لكن عندما شارف موعد جمع الثمر وبيعه طلب مني عامل وهو محل ثقتي عدم الحضور و قطع المسافة التي تقارب 400 كم، مؤكدا أنه سوف يتكفل بنقل المحصول للحلقة وبيعه وإبلاغي بالقيمة التي سيودعها في حسابي البنكي، لم أشك لحظة وما ظننت في الرجل إلا كل خير، وانتظرت بعد المكالمة خمسة أيام، رد علي أن المبلغ الإجمالي لجزء من المحصول بلغ 12 ألف ريال، وأنه سيودعه غدا في حسابي، وانتظرت أربعة أيام، ثم اتصلت ممنيا نفسي بسماع أخبار جيدة، لكن العامل لم يرد، المفاجأة جاءت بعد المغرب حيث رد علي شخص قائلا إنني أخطأت وأن الرقم لا يخص اسم العامل الذي أطلبه، هنا بدأت أشك وخصوصا أن الهاتف بعد هذه المكالمة قفل نهائيا، فانطلقت إلى المزرعة، ولم أجد المحصول والعامل أو رفيقه، ووجدت الغرفة التي يسكنونها مفتوحة ولا أحد فيها، عمال المزرعة المجاورة أبلغوني أن عاملي ظل على مدى خمسة أيام ينقل محصول الطماطم إلى الحلقة وفي آخر مرة حمل الطماطم وكل أغراضه من الغرفة ومعه صديقه واختفيا، وطار المحصول ومعه العامل ومن يومها لم أفكر مطلقا في ترك مالي لهؤلاء و صرت أتوجه لهم أسبوعيا دون انقطاع. ترابط أسري عبيد البقمي، الذي يسكن في جدة بحكم وظيفته إلا أنه يستعد مساء كل ثلاثاء للرحيل إلى الحوية حيث تقطن أسرته، يقول: أترقب انتهاء يوم الأربعاء وأنطلق مباشرة من مقر العمل نحو البيت وأحمل معي أبنائي للتوجه إلى الحوية، هناك ولدت وترعرت ويسكن كل أسرتي الذين تعودت معهم على الاستمتاع بأيام الإجازات، وحرصت على هذا التقليد أسبوعيا، ولا تهمني المسافة رغم بعدها ومشقتها، لأنني لا أستمتع بإجازتي إلا هناك، لقد تعودت على ذلك منذ أعوام، فالترابط الأسري كبير. مدركة والعرضية يصف صالح مصلح العتيبي، وضع أحد زملائه قائلا: من صباح الأربعاء وهذا الزميل يتجهز للمغادرة نحو مدركة، أعتاد على ذلك لصعوبة ظروفة التي لا تسمح له بالبقاء طويلا في جدة، ولهذا فهو يفضل الذهاب إلى مدركة. ويقول أيضا علي محمد الشمراني: كان لي صديق يدرس معي في الكلية، وكانت ظروفة لا تسمح له بالسفر يوميا إلى العرضية الجنوبية، لذلك كنا نتعاون كزملاء بتقديم المبلغ الذي يسمح له بالذهاب والعودة استجابة لرغبته، حيث كنا نلاحظ عليه شوقه لأهله. أرض اليتامى منذ تسعة أعوام ولازال علي حميد النبهاني يقطع مسافة 340 كم من أجل قطعة أرض لأبناء أخيه اليتامى، يقول: لم تكن قطعة أرض، وإنما بها بيت شعبي قديم كان يسكن فيها أخي مع أبنائه، وقبل ثلاثة أعوام تعرض لمرض لم يمهله طويلا وتوفي، وأوصاني بأولاده خيرا، وأصبحت الوصي عليهم والمتكفل برعايتهم، لهذا نقلتهم من هناك للسكن معي وأدخلتهم المدارس مع أولادي وصرت كوالدهم فأنا عمهم، وقبل فترة وضع بعض ضعاف النفوس يدهم على تلك الأرض والبيت ووصلني الخبر، فتوجهت إلى هناك في الوقت المناسب حيث تمكنت من إيقافهم ومنعهم من بيعها، بعد أن خططوا لذلك وأوشكوا على التنفيذ، على ضوء ذلك أصبحت أتردد على هذه المزرعة أسبوعيا، أقطع هذه المسافة من أجل أطفال أخي للحفاظ على حقوقهم ومالهم.