زمن الخطب المسجلة المكرورة ينبغي أن ينتهي في عصر يستجد كل ما فيه، ليس الخير الذي يأتي جديدا ومبشرا فحسب، بل حتى الشر أصبح يأتي جديدا وفسفوريا وفيروسيا وعنقوديا ومحاطا بهالات من الترويع والترويج في نفس الآن. ولهذه اللحظة، ورغم الطمأنة التي تأتي من هنا وهناك، لا أحد يقدر جازما أن يشرح للإنسان المهموم البسيط في هذا الوطن أو ذاك، جدوى عقار مكافحة الفيروس الذي ينشب أظفاره كلما تراكمت قناني المصانع التي تزعم أنها أنتجت مضاداته فقط. منبر الجمعة، الحدث والحديث، الحديث القول، والحديث الجديد أيضا، لا يحسن فيه أن يكون درس تعلم قراءة للخطيب الأمي على رؤوس حاضري هذا المشهد العظيم المخصوص بالصمت والسكون حتى من مس الحصى بحركة يد بسيطة. إن هذا يجعل من إلقاء هذه الخطبة عملا مميزا يرتسم في النفس، ويسكنها بتشديد الكاف ويسكنها بضمها ، ويهبها معينا حتى لقاء الساعة نفسها من الأسبوع الآتي. إن قضية ترتيل خطبة مسجلة من عهد ما قبل اختراع آلة الطباعة، عن أمور لا تعايش واقع المسلم اليوم، مسألة بحاجة للنظر في مناحيها كلها، من حيث استهتار هذا القائم على المنبر من أن يجعل من وقته جزءا مستقطعا لملء أسماع هؤلاء المنصتين الخاشعين بما يجدي ويفيد. ومن حيث ضياع احترام هذه الشعيرة، حيث تغدو وقتا مملا كئيبا، كل لحظة فيها دهر، وأجمل شيء يسمعه هذا المقهور جلوسا: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى» مهزلة أن يحفظ الحاضرون في بعض المساجد مقاطع كاملة من خطبة الإمام الذي يتعب حتى يعيد قراءتها كل شهر مرة، ومهزلة أكبر أن يكون هم الناس هذا الأسبوع منحصرا في كيفية مراعاة أساليب النظافة الشكلية، وأوراد الذكر المانعة للضرر، والخوف على أبنائهم الصغار، وكيفية حمايتهم وحماية أمنهم الوجداني والصحي والعاطفي، وهم الخطيب أن يخطب عن بدعة «السبحة» ! [email protected]