المكان: قسم شرطة. الزمان: 11 ونصف ليلا. الحدث: شاب موقوف. يدلف إلى عمق مركز الشرطة مسن ترك الزمان على وجهه آثار 75 عاما، يتكئ على عصاه التي تشبهه في كثير من تفاصيلها ابتداء بنحولها مرورا بخدوش الأيام ونهاية بهرمها. جمع المسن خوفه وألمه ونظر إلى الأرض تارة وأخرى إلى السقف والتفت يمينا وشمالا، وأخرج سؤاله متحرجا: «ابني موقوف عسى ما شر»، قلب الضابط جبل الأوراق واستل ملفا بعد أن سأل المسن عن اسم ابنه. انتظر المسن وعيناه وقلبه يسافران مهرولين إلى شفاه الضابط بحثا عن إجابة لا تدور في عقل المسن، ويخرج السبب أخيراً بأن ابنه «قبض عليه وهو يرتدي بنطلون طيحني»، لم يسمع المسن وطلب من الضابط أن يعيد التهمة وسبب إيقاف ابنه فرد بصوت عال: «ولد يلبس بنطلون»، دون أن يفصل له أن ابنه وجده رجال الشرطة في الشارع مرتديا بنطالا لا يليق بالآداب العامة ويظهر مناطق من الجسد خادش للحياء خروجها. فرد المسن: «وهل توقفون الناس لأنهم يلبسون بناطيل مثلكم»، فكانت إجابة الضابط بأن بنطلون ابنه يتنافى مع الآداب العامة، فقرب المسن بطن يده إلى فمه وقبله ورفعه إلى السماء شاكرا ربه أن ابنه لم يسقط في جريمة أو قضية تشوه سمعته، وخرج بعد أن وقع تعهدا بأن لا يلبس ابنه البنطال ثانية، معاهدا الضابط: «والله ما عاد يخرج إلا بثوبه». لا يرضى أي عاقل أن يسير إخواننا وأبناؤنا بهذا النوع من الثياب التي تظهر أجزاء من الجسد من العيب الاجتماعي والخادش للحياء حقيقة أن تظهر، وهي ما تعرف ب «طيحني» أو «بابا سامحني»، أو حتى إطالة الشعر بطريقة «الكدش» التي تحول رؤوس الشبان إلى أشبه بخراف محروقة تعتلي أكتافهم. ليس الحل في تصوري البسيط أن نحشر هؤلاء الشبان في غرف توقيف أقسام الشرط، مع السرقة والمجرمين يحتسون منهم أفكارهم وبطولاتهم الوهمية، ولا في العقاب المؤلم الذي يجده الشاب بحبس حريته، بل بحديث يتركز على العقل والمنطق يسأل لماذا لبسوا هذه الثياب؟، ما الذي أعجب الشبان فيها؟، كيف يمكن أن نقنعهم بأن هذا خطأ؟، لست متخصصاً ولكن أعتقد أن مواجهينا الاجتماعيين وعلماء النفس لديهم قائمة طويلة من الحلول والبرامج، لكي نقول عنها بدل «طيحني» خذ بيدي، وأن يسامحه والده بحق ويعالج مشكلته بدلا من سخرية «بابا سامحني». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 245 مسافة ثم الرسالة