لا أعرف لماذا تتراجع أعداد المجلات الموجهة للأطفال في العالم العربي، على قلتها، ولماذا تتراجع أعداد الكتب الجديدة التي تخاطب الطفل العربي بأقلام عربية ورؤية عربية إسلامية أصيلة وجميلة، تذكرت هذا الأمر وأنا أتابع الاحتفالية التي قامت في مصر في ذكرى الأديب الراحل الكبير كامل كيلاني، رائد أدب الأطفال، والحقيقة أن هذا الأديب العبقري الفذ الذي رحل عن عالمنا قبل عقود طويلة حتى نسيته الأجيال الجديدة قدم للمكتبة العربية مجموعة كبيرة ورائعة من القصص والحكايات الموجهة للأطفال تنمي فيهم الإحساس بالوطن وبالهوية وبالدين والتاريخ في نفس الوقت الذي تملأهم نشوة وسعادة من روعة أسلوبها وبساطته وأسره للخواطر والقلوب، الإحصائيات المعلنة لسوق كتب الطفل تكشف عن تهافت مثير في المكتبة العربية إذا قورنت بما يقدم في المكتبة العالمية وفي ثقافات أخرى تهتم بالطفل وثقافته اهتماما بالغا، ومع هذا التهافت فإن التراجع مستمر في الإقبال على الكتابة للأطفال، يحدث هذا رغم أن ثقافتنا العربية الإسلامية تملك أعظم ذخائر عرفتها البشرية في الحكايات والقصص بكل مستوياتها، ويكفي أن حكايات ألف ليلة وليلة التي ألهبت الخيال الأوروبي لقرون طويلة ما زالت حتى اليوم تستنسخ بصورة مختلفة وصيغ حديثة، والكثير من قصص «هاري بوتر» الشهيرة تستلهم خيالات ألف ليلة وليلة وتطورها بما يلائم الطفل الجديد بل العقل الجديد، لأن الحقيقة أن جمهور «هاري بوتر» لم يعد الأطفال بل مختلف الشرائح العمرية، والطريف أن الكتابة للأطفال هي الكتابة الوحيدة التي لا تعرف التخصص، فكثيرون كتبوا للأطفال دون أن يكون هذا تخصصهم، وفي محيط خبرتي العملية هناك أصدقاء من الكتاب والصحفيين المشتغلين بالكتابة السياسية طوال عمرهم المهني اتجهوا فجأة إلى الكتابة للأطفال في صورة قصص وحكايات، فقدموا أعمالا جميلة للغاية وناجحة وكان ذلك أمرا لافتا، وكان تحليل النقاد لها أن في داخل كل منا طفل يسكن الذاكرة والخاطر ويظل الإنسان يحن إلى هذا الطفل الكامن في خياله وذكرياته طوال عمره بعفويته وانطلاقته وإقباله على الدنيا وبراءته ومساحات الحب والطمأنينة التي تنسكب على قلبه الصغير فيسكبها على كل من حوله وما حوله، ننشغل كثيرا بمعاركنا الثقافية والفكرية وننساق كثيرا خلف صخب الجدل حتى لو كان عقيما في أغلبه، ونتجاهل مساحات من العطاء والإنجاز والإبداع لا تقل أهمية وخطورة عن معاركنا الثقافية، بل إن الكتابة للأطفال ينبغي أن تكون هي بذاتها إحدى أهم معاركنا وتحدياتنا الثقافية، في تلك الأوقات التي تنهمر فيها الأعمال الفنية بصيغ مختلفة وأخاذة من ثقافات أخرى لتغزو عقول أطفالنا الغضة وتغشى قلوبهم غير المحصنة، الكتابة للأطفال رسالة خطيرة ومسؤولية كبيرة، ينبغي أيضا أن تتضافر فيها جهود رسمية وأهلية لتنميتها ووضع خريطة جديدة شاملة وثاقبة لمساحات الفراغ في عقل ووجدان الطفل العربي الجديد.