لم يتصور العم سعيد أن ضياع هاتفه الجوال ليومين فقط، سيجعله في حالة من الفوضى والارتباك تسببت له بأضرار معنوية ومادية، ويصف ذلك بقوله «راودني شعور أني فقدت إحدى حواسي». وفي الوقت الذي ما زال البعض يرى أن الجوال من الكماليات، يجزم العم سعيد أن الجوال أصبح من الحاجات الأساسية في حياته، وهو الذي خسر صفقة بقيمة مائة ألف ريال لعدم تمكنه من التنسيق مع الطرف الآخر بمجرد فقد الجوال. لكنه في خضم هذه الواقعة، يعود بالذاكرة إلى الوراء مباركا تلك الأيام التي كان فيها أبناء القرية يودعون المسافرين للحج أو العمل وتنقطع أخبارهم لفترات طويلة ولا سبيل للاطمئنان عليهم إلا عن طريق بعث الرسل وسؤال العائدين. في هذا الوقت أحدث الجوال تغييرا كبيرا في حياة الناس وعاداتهم، بين الإيجابي والسلبي فبقدر ما يقرب البعيد بقدر ما يبعد القريب الذي لا تفصل بينك وبينه سوى أمتار وتكتفي برسالة نصية لتهنئته بالعيد. ويقول أسامة علي إن الجوال أوجد فراغا اجتماعيا بين الناس، ويتوجب على مؤسسات المجتمع المختلفة التصدي لهذا الأمر بداية بالأسرة لتوعية الناشئة بمكانة صلة الرحم وأهميتها. أما أبو عبدالعزيز فحرص على توفير جهاز جوال لكل أبنائه، معتبرا أنه خير وسيلة لمتابعتهم ومعرفة تحركاتهم، ولكنه لا يخفي أن الجوال سلاح ذو حدين في أيدي المراهقين والمراهقات متى ما غابت التوعية والمتابعة من قبل الأبوين. ومن علاقة الآباء بالأبناء إلى علاقات الزوجات بزوجاتهم، فأم سعد تستعين بجولة سريعة في هاتف زوجها لرصد تحركاته وعلاقاته العامة، لكنها لا تبحر في ذلك كثيرا خوفا أن تصدم. تقول «رغم فوائد الجوال إلا أنه تسبب في مشاكل عائلية وصلت ببعض الأزواج إلى الطلاق». ويبدو أن التطور المذهل والمتسارع في عالم تقنية الاتصالات والمعلومات أدى إلى انخفاض أسعار الهواتف النقالة وبالتالي وصولها إلى مختلف الشرائح. ويطالب ضيف حجازي بتوعية المجتمع بالاستخدام المتوازن لهذه التقنية والاستفادة القصوى منها بأقل ضرر ممكن، وهو الأمر الذي من المفترض أن تتبناه شركات الإتصال. ويتفق كل من أيمن عريشي وخالد العمري وأبو طلال على أن الجوال أثر وبشكل ملحوظ في أخلاقيات المجتمع وعاداته بطريقة سلبية هدامة على حد وصفهم ، وبحسب الأخير فإن المقاطع الإباحية والعنصرية والمرعبة وتلك الداعية إلى الرذيلة والمخدرات يتم تداولها بسهولة بين الناشئة ذكورا وإناثا في المدارس والمنتزهات وخلال الزيارات بعيدا عن متابعة الآباء والأمهات ما يسهم في إفساد الناشئة وانحرافهم. وفي المقابل تحث فاطمة اليساري على الاستفادة من الإيجابيات وضرورة تفعيل المؤسسات المدنية كمراكز الأحياء والمخيمات والملتقيات الدعوية والمعارض، لرفع مستوى الوعي العام بالتعامل الأمثل مع التقنية والتكنولوجيا بصفة عامة.