الفخار من الحرف التقليدية القديمة التي توارثتها الأجيال عبر الزمن، وفي الآونة الأخيرة أصبح الفخار موضة العصر في المنازل، فالكثير من الأسر تقتني حاليا العديد من القطع الفخارية للاستخدام أو للزينة، إلا أن من يزاولون هذه الحرفة حاليا قليلون جدا، وهم ممن يعشقون هذا الفن القديم واستمروا في صناعته وبيعه بدافع العلاقة القديمة أو كمصدر للرزق والتكسب، وعن أسرار هذه الحرفة، وطرق صناعة الأواني ومدى جودتها، يسجل المتخصصون شهاداتهم حولها. محمد إبراهيم المقري (45 عاما)عامل في هذه الحرفة وعاشقها منذ نعومة أظافره يقول: أعمل في الفخار والمشغولات القديمة لحبي لهذه المقتنيات منذ طفولتي، كما أن هناك إقبالا على شرائها في الوقت الحاضر، حيث أصبحت تستخدم في المنازل لتزيينها، وآخرون يشترونها للاستخدام، وخصوصا كبار السن والذين يعرفون قيمتها. وعن صناعة الفخار يقول محمد: يستخدم طين خاص، عبارة عن تراب أحمر يؤخذ من مناطق خاصة وبعيدة عن المزارع أو المساكن، وبعيدة أيضا عن وطء الأرجل أو وصول الناس أو الحيوانات إليها، مشبع بماء المطر، أي يبقى المطر فيها مدة طويلة حتى تتحول إلى كتل طينية صغيرة، ثم تجف فيما بعد، أما عن كيفية صناعة الفخار، فتتم بواسطة عجلة تثبت داخل حفرة، حيث تشكل الأواني، وبعد ذلك يتم إدخالها في أفران حرارية مصنوعة من الحجر الناري تتحمل درجات حرارة عالية جدا. والفخار أنواع وأشكال، ولكل منها مواصفاته وأسماؤه، فمثلا هناك الإبريق الصغير ويسمى بلبل، والكبير (كراز)، والأكبر (عسلية)، ثم هناك الجرة، والزير وهو مخصص لتخزين ماء الشرب. ويضيف المقري قائلا: كان قديما يعتمد الأهالي على الفخار في جميع الأغراض كأوان منزلية تستخدم للطهي والشرب والأكل ولا يزال العديد من أبناء المنطقة الجنوبية على وجه التحديد يستخدمون هذه الأواني في المنازل حتى الآن لحبهم وعشقهم لها، وكذلك حفاظا على هذا الموروث الشعبي، ومن هذه الأواني الفخارية التي لا زالت حتى يومنا هذا «التنور» وهو يستخدم كفرن للخبز، وله طعم خاص يميزه عن خبز المعامل الآلية أو أفران التميس، وكذلك يستخدم لطهي اللحوم وهو مايسمى «الحنيذ» حيث يوضع اللحم داخله بعد تبهيره فتكون له رائحة ذكية وطعم لذيذ، ومن الأواني الفخارية أيضا «الشربة»، وهي من الفخار المنقوش بألوان الطيف يوضع بها الماء من أجل تبريده قبل ظهور الثلاجة وتكون برودته عالية، وسميت شربة لكون الشخص يشرب منها الماء الذي يكون له مذاق مميز خاصة عندما يكون الماء عذبا ونظيفا. ومن الأواني الفخارية المشهورة أيضا «المغشات» وتستخدم في طهي اللحوم وأحجامها متعددة، ومنها ما يسمى بالقدور الحجرية مصنوعة من الأحجار المتينة وتتميز بمذاق رائع. ويضيف المقري، هناك أيضا إناء يسمى ب (الصحاف) وهو إناء خشبي يحفظ المأكولات لفترات زمنية طويلة من دون أن تفسد، نظرا لوضع السمن البري في قاعه، ولا يغسل إلا بالماء البارد لضمان جودة المنتج. ووصف المقري الصحاف بالأفضل على الإطلاق من بين الأواني، وهي تصنع من شجر الأثل المعروفة في منطقتي عسير وجازان، كما توجد هذه الأشجار بكثرة عند مجاري المياه في أودية المناطق الجنوبية، ويشير المقري إلى أن صناعة الفخار والأواني الفخارية متشابهة في الشكل وطريقة الاستعمال، إلا أن لكل منطقة طابعها المميز، خاصة في طريقة صناعتها التي تختلف من منطقة إلى أخرى، ويصف عزوف أبنائه ومن هم على شاكلتهم من جيل الشباب عن تعلم الحرف والصناعات القديمة بأنه أمر متوقع في هذا العصر، شجعه إعراض الكثير عن شراء الأدوات التقليدية القديمة، مفيدا أن تلك الصناعات لم تعد تجارة بقدر ماهي استعراض لتراث المجتمع، خصوصا في ظل تعدد المهن التي تدر ريعا أفضل بكثير من ريع الحرف والصناعات القديمة.