حين قرأت ما نقل في الصحف من تصريحات لمعالي الدكتور فاروق حسني، إثر هزيمته في انتخابات منصب مدير عام منظمة اليونسكو، التي ذكر فيها أن هذه الهزيمة حدثت بسبب مؤامرة حيكت ضده وأنه لن يسكت عليها وسيرون رده، ولفرط ألمه من ذلك لم يملك نفسه فبكى في المطار. لا أدري لم حين قرأت تلك التصريحات تذكرت طفلا صغيرا لعبت مرة معه الشطرنج فغلبته، وحين نظرت إليه فاجأني أني وجدت الدموع تملأ عينيه قهرا من الهزيمة، فاضطررت إلى أن (أحاضر) عليه عن حقائق الحياة ومنها أن الهزيمة في حياتنا جزء لا ينفصل من واقعنا الذي نعيشه، فحياتنا لا يمكن أن تخلو من الهزائم فتكون فوزا دائما، فالحياة مفطورة على التذبذب ما بين فوز وخسارة، ونصر وهزيمة، ونجاح وفشل، ومن واجبنا أن نقبل الهزيمة ونرضى بها، كما نقبل الفوز ونزهو به، ولكي أدعم القول بالعمل اضطررت إلى اللعب معه ثانية لأعطيه فرصة ليفوز فيرضى. وقبل بضع سنوات، سبق معالي الدكتور غازي القصيبي، الدكتور فاروق حسني في الترشح لهذا المنصب، وقد حدث له ما حدث للدكتور فاروق حيث خالفه الحظ ولم يحالفه، فخسر الانتخابات التي فاز فيها منافسه الياباني، لكنه لم يبك، ولم يتهم أحدا بالتآمر ضده، ومضى متقبلا الأمر في هدوء، وتعامل مع الهزيمة كحدث طبيعي ونتيجة حتمية تحل بأحد المتنافسين. حين أقارن بين ردة فعل الدكتور غازي القصيبي وردة فعل الدكتور فاروق حسني، تجاه تجربة الهزيمة، أتخيل أن الدكتور القصيبي كان محظوظا في طفولته فوجد من يلقنه حقائق الحياة مبكرا ويعلمه كيف يتعامل معها بلياقة تامة، أما الدكتور فاروق فإنه ربما كان سيئ الحظ، فلم يتح له مثل ذلك، فنشأ محاطا بدلال يزيح عن دربه كل أشكال الهزائم، فكبر وهو يرى الحياة فوزا صافيا لا تخالطه شائبة، لذلك كانت صدمته عنيفة حين هزم في معركة التنافس على منصب مدير عام منظمة اليونسكو، ولم يقو على احتمال الصدمة فراح يبكي في المطار كما حدث لذلك الطفل الصغير حين هزم في لعبة الشطرنج، وإذا كان الصغير اكتفى بالدموع يحبسها في عينيه، فإن معالي الوزير لم يكتف بذلك بل راح يصرخ ويتهدد ويتوعد بالرد على من تسبب في هزيمته، لائما بعض الدول الكبرى التي يراها ظلت تحيك المؤامرات ضده حتى تحقق لها إسقاطه. إنها الثقافة التي يعز على من نشأ فيها أن يقر بالهزيمة، وثقافة (الكمال) التي تأبى الاعتراف بوجود من هو أفضل، ونمط التفكير الذي لا يرى الجدارة سوى في رمز واحد. من المؤكد أن الإنسان حين يخسر يستاء ويشعر بالضيق، فلا أحد يحب الخسارة، وليس عيبا أن يعبر الإنسان عن أسفه لوقوعه فيها، لكن العيب أن تثار الضجة وأن تحدث البلبلة، وأن تنثر الاتهامات وأن يطعن في اختيار المنافس الفائز، ولا دليل قطعيا على شيء من هذا البتة.