تمر بنا الأيام وتكر علينا السنين كطيف عابر فلا يبقى من أثرها سوى ما نحت له مكانا في زوايا ذاكرتنا، وتمر علينا وجوه البشر فلا نختزن في عقولنا سوى من حفظنا له الود، في حياتنا المعتادة نصادف وجوها يبقى بعضها عالقا في الذاكرة ويختفي آخرون في طيات النسيان. وهناك من يرفضون أن تثقب الذاكرة بعد رحيلهم، هؤلاء سكنوا زوايا ذاكرتنا، لأنهم أشخاص مميزون رائعون امتزجت أرواحنا وقلوبنا معهم، وحينما رحلوا عن دنيانا تعصف بنا ذكراهم، لأنهم كانوا لنا ملاذا للألم وإشعاعا للفرح، وبعد فقدهم نبقى نعايش أفعالهم.. كلماتهم.. خيرهم، ويبقى نشر عطرهم يضوي أينما مروا، ومنهم من يتسنم ناصية القلب.. يأسرك بطيبة قلبه .. حبه للخير فتنحدر الدمعة مرغمة من عينيك، هؤلاء حفروا في الذاكرة مواقف تأبى أن تموت فينا، وفي قلوب من أحسنوا لهم أثر لا يمحى، لأن لهم بصمة خير طبعوها على جباه من يستحقها. فهل نملك أن نلغي مشهدهم من مسرح الذكريات؟. يتأجج في قلوبنا حنين لهم ويشاركنا فيه من ذاقوا حلاوة العيش بوجودهم، وارتشفوا ماء الحياة من يدهم فتأثروا وارتبطوا بهم جسديا وعاطفيا. اشتقنا لمن زرعوا الخير في حياتهم فحصدوا الحمد والذكرى العطرة بعد موتهم. من هؤلاء البشر الخيرون (نور العقيل) التي رحلت عن دنيانا قبل عام ولكنها لا زالت من الساكنات في عقولنا وقلوبنا، فارحمها يا رب العالمين يا من (كتبت على نفسك الرحمة) وقال نبيك «إنما يرحم الله من عباده الرحماء»، وأنا أحسب أنها (رحمها الله) ممن كانت ترحم الضعفاء وتساعد الملهوفين وتعين المحتاج وترسم البسمة على شفاه المساكين، وكم فقد هؤلاء برحيلها من يواسيهم وأقفل عليهم باب كان الخير يلج لهم منه. ولأن الشاعر يقول: من يفعل الخير ما يندم يلقى الجزا لو بعد مدة عساه يسلم راعي الوفا يسلم منصور في ساعة الشدة فقد تحقق هذا لأبنها البار معالي الأستاذ محمد السليمان الذي شغف بها (أما) تسوق بشائر الخير له فتمطر سعادة و(ملاذا) وعونا له، فإن خيرها بقي حتى بعد موتها فتحققت دعوتها له بأن يرزق بالذرية الصالحة، فكانت دعوتها فتحا له على أبواب الحياة. صالح محمد سعد الحارثي