تمر حياة الأمم بمنحنى يتراوح فيه واقعها ما بين القمة والقاع، وهذه سنة التداول، لكن العار الذي لا يغتفر أن يكون في الأمة قوى تعمل على استدامة حال الانحطاط، فالعامل الأساسي والمحوري في استنهاض الأمة أو استدامة انحطاطها هو اتجاهات «الروح المعنوية الجماعية» فلكي تنقدح في الأمة روح النهضة يجب استحضار زخم معنوي جماعي ملهم ينفض عن الجماعة الأنماط السلبية التي استبدت بها وأوصلتها للانحطاط ويوجهها لغاية ملهمة، لكن عندما يحصل العكس ويكون الاتجاه السائد تكريس زخم الانحطاط النفسي الجماعي، فبالتأكيد هذا غير مساعد على النهضة، وهذه هي المفارقة المضحكة المبكية، فمن المؤسف رؤية فيلم تهريج مبتذل ك «مناحي» يتحول لعنوان لمبدأ تقدم الواقع الحضاري الجماعي! وهو عموما جزء من تيار عام في العالم العربي على موجة أفلام «اللمبي» وسينما التهريج «والعبط» التي تعتمد على التهريج ببشاعة الممثل وسوقيته وبذاءته وغبائه، وحتى الإعلانات التجارية باتت تعتمد على شخصيات تجسد «الهبل والعبط»، ومصيبتنا مضاعفة، لأنه حتى عندما يتم تجسيد شخصية أيقونية في التراث العربي والإسلامي يحصل هذا بشكل يهدمها تماما، والمثال الأبرز مسلسل خالد بن الوليد الذي جسد فيه الممثل باسم ياخور شخصية القائد المسلم الأيقوني الأمجاد، وهذا الممثل كل أدواره السابقة أدوار مهرج فهو «مناحي» سوريا، بدون التطرق لكونه مسيحيا، وهذا عدا مضمون المسلسل الذي فرغ هذه الشخصية العظيمة من أبعادها الأخلاقية والإيمانية الملهمة التي تحرك الصخر للإيمان وليصبح ذا عزة وكبرياء ومجد. ولرصد الموجة المعنوية الجماعية التي عليها العرب الآن يكفي النظر لاتجاه المسلسلات الرمضانية التي انتقلت من تجسيد سير عظماء الإسلام إلى سير المغنين والممثلين إلى ريا وسكينة والراقصات وبنات الهوى!!. وعموما كل شيء في هذه الحياة عبارة عن موجة يركبها الإنسان، الكآبة موجة من ركبها أوصلته للقنوط، وبالعكس التفاؤل، وأجرى العلماء تجارب على توائم جعلوا أحدها يتفرج على أفلام وموسيقى ترفع الروح المعنوية والآخر يتفرج على ما له تأثير معاكس وتبين أن خيارات الشخص الحياتية تتغير بناء على الحالة المزاجية النفسية التي تتكون لديه جراء ما تابعه في الإعلام، ولهذا من يتفرج على الغثاء الذي يسود الشاشات العربية فهو يضع نفسه على موجة الصعلكة والانحطاط والإحباط والخبال التي تجرد الشخصية العربية من عنفوانها وقيمها العليا التي تغنى بها حتى غير العرب، فأشهر المؤرخين الأسبان وصف الشخصية العربية والعرب في التاريخ بأنهم «كأنصاف الرموز اليونانية» يقصد بأن الشخصية العربية تجسد معالي ومكارم الأخلاق والأحوال بشكل أيقوني يفوق ما هو سائد لدى الأمم الأخرى، وهذا برأيه كرس سيادتهم في أسبانيا. والحمد لله الكتب التاريخية والإنترنت الآن وتعدد القنوات توفر للإنسان المجال لانتقاء الموجة التي يضع نفسه عليها ليبني ذاته، وإجادة اللغات تعطي حرية تحصيل الفائدة حيث وجدت. وليتذكر الإنسان أنه سيخلد للأبد مع ذاته، وبها سيقابل الله تعالى والرسول والملائكة والعظماء، فهل هذه الذات المليئة بمناحي واللمبي وأشباهها هو ما يريد أن يخلد معه ويقابل الله به؟!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة