لماذا كل الروايات والشعر والأفلام والمسلسلات تتمحور حول النفوس المريضة والمنحطة والمجرمة والمنحرفة؟! والجواب، هو لأنها ركبت موجة ما يسميه الغرب ثقافة «قيمة الصدمة-Shock value»، وهو التوجه الذي يسود الثقافة الغربية، حيث تتم مكافأة الشخص ليس على القيمة الفنية والجوهرية لإنتاجه، إنما على قدر الجدل والضجة والصدمة التي يحدثها، والنتيجة عالم تسوده مظاهر ومشاهد وعبارات الفحش والقبح والانحطاط التي أدت لتردي خامة الفرد عالميا، فالإنسان لا يولد مترقيا بذاته، إنما يترقى بالمعرفة والثقافة والفنون والآداب، فماذا تكون النتيجة والثقافة السائدة تعرض فقط الانحطاط والقبح والجرم والعنف والفحش؟ ولعل أخطر تأثير لهذا التوجه، هو أنه شوه الثقافة والأدب ونفر الكثيرين عنها واستقطبهم لتوجهات منغلقة، وتاريخيا أقدم نصا أدبيا معروفا هو «ملحمة جلجاميش - ملك أورك» السومرية «2000ق.م»، وتتحدث عن رحلة حياة ملك شاب طاغية وشهواني وصارت لاحقا نمطا قياسيا لما عرف بأدب «رحلة البطل»، حيث يتوصل البطل عبر رحلة مع المحن الواقعية والماورائية إلى المعنى الأعمق للحياة، ولا تزال الملحمة بعد آلاف السنين قادرة على تحريك أعماق القارئ بجمالها وعمقها، ولهذا لا تزال تنتج باسم جلجاميش أعمال معاصرة في الشرق والغرب، وعبر التاريخ تمحورت الآداب حول استكشاف أعماق الإنسان وعبره الكون «وفيك انطوى العالم الأكبر»، وتناولت الجوانب المظلمة للشخصيات، لكن في سياق مسيرة إيصالها لحقيقة أسمى، وهذا هو الفارق.. فالآن نرى فقط استغراقا عدميا في البرك الآسنة والزوايا المظلمة بدون غاية ولا معنى أعمق، والسبب يعود لثلاثة عناصر أساسية أولها: ذات السبب الذي يجعل الناس تحب الفرجة على «تلفزيون الواقع» وأناس فارغون تصورهم الكاميرات وهم يقومون بالسخافات! وتسلي الناس برمي أنفسهم من الطائرات والجسور «قفزة البنجي» وترويع أنفسهم بالأفعوانيات، ففي عصر تسوده السطحية والاستغراق المادي، بلغ الناس درجة تبلد التشبع، ولهذا يطلبون الإثارة الحسية المتطرفة الصادمة، ثانيا: الاستسهال، فليس أسهل من الإنتاج عن الانحطاطات والجرائم والتهريج، لأنه لا يتطلب ثراء المخزون المعرفي الأعمق، ولهذا لا توجد روايات خيال علمي عربية، فهي تحتاج لاطلاع علمي. ثالثا: فرويد رائد علم النفس الذي رأى أن وراء كل ظاهرة إنسانية دافعا جنسيا منحرفا مكبوتا، ورغم أنه لاحقا ثبت خطأ نظرياته لكن كان أثرها السيئ قد هيمن على الثقافة العالمية، بينما معاصره الدكتور كارل يونج رائد نظريات اللاوعي الجماعي، الذي بحث في الأبعاد والأعماق الإنسانية والماورائية وثبتت صحة نظرياته، لم يتغلغل تأثيره في الثقافة الحديثة، ولاحقا فطن علماء لأن علم النفس يركز على الجوانب المرضية للنفس ولا يبحث جوانبها الصحية، فطوروا فرعا جديدا هو «علم النفس المتسامية-» Transpersonal psychology ويبحث النفس من منظور أكثر جوهرية ويتضمن دراسة نفسية الامتياز الإنساني والوعي والخبرات الروحية وغير العادية، ومثلا الاكتئاب في منظوره ليس مجرد اختلال في كيميائية الدماغ، إنما مخاض روحي، ومنه تولدت أدبيات «تنمية الذات» ولعله يتطور من وحيه توجه جديد في الثقافة العالمية، ولعل مبدعيه سيبرزون أكثر من الراكبين لموجة «قيمة الصدمة»، لأن كثيرين سئموها وأثرها السلبي على الإنسان. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة