قرأت مؤخرا كتاب الأستاذ علي الشدوي (الحداثة والمجتمع السعودي) من إصدارات النادي الأدبي بالرياض لهذا العام 1430ه وقد أعجبت به لرصده الدقيق للتطور الثقافي منذ تأسيس المملكة (1924 1953م) وتمنيت لو كان هو الكتاب الفائز بجائزة (الكتاب السنوي)، وحتى لا أسيء إلى الكتاب لو عرفته بكلمات موجزة.. ولكني أكتفي فقط بالإشارة إلى موضوع المثقف ودوره في مجتمعه.. وقبل ذلك سأكتفي مشيرا إلى ما طرحه الرائد محمد حسن عواد من تساؤلات قبل 85 عاما في كتابه الشهير (خواطر مصرحة) لماذا لا نتعلم كيف نعيش؟ لماذا لا نتعلم كيف نتعلم؟ لماذا لا نتخذ أدوارا فعالة في شؤونا المدنية والمجتمعية؟ لماذا لا ننفتح على التجارب الجديدة؟ لماذا نهضم حقوق الغير في بلادنا؟ لماذا لا نفهم أن مرارة النقد أجمل من حلاوة العيش؟ تلك هي أسئلة العواد عام 1925 أسئلة تكوين الإنسان الحديث وملامحه. وفي الفصل الثامن (المثقفون) نقرأ: يقول سارتر: .. المثقف هو الشخص الذي يهتم بأمور لا تعنيه إطلاقا. ويقول ليكلرك: المثقف كائن طفيلي، فضولي بطبعه، يتجاوز ما عنده من روح نقدية وباحثة كل إلزام مهني. وقال: .. إن المثقف يتجاوز حقل مهاراته المهنية. عند قراءتي لهذا الموضوع تذكرت ما سبق أن قرأته للأستاذ عبدالكريم الجهيمان في جريدته (أخبار الظهران) في عددها الأول الصادر غرة جمادى الأولى عام 1374ه الموافق 26 كانون الأول 1954م أي قبل 55 عاما فقد كتب مقالا تحت عنوان (من هو الأديب) معلقا على المناظرة الكبرى التي أقيمت في باريس وشارك فيها أدباء وساسة وفلاسفة وكان موضوعها: تعريف الأديب، هل هو الأديب الذي يتفرج على المجتمع؟ هل هو الذي يعبر عنه؟ هل هو الذي يحاول أن يغيره؟! وحيث لا فرق عندي بين المثقف والأديب فيحسن أن أعرض عليكم الموضوع. وقد كان رأي زعيم الوجوديين جان بول سارتر: ".. أن الأديب يعبر بحريته عما يرى ويحس ولا شأن له بالتغيير أو التبديل، وقد يكون لمؤلفاته أثر حسن أو أثر سيئ.. ولكنه يجب أن يستهدف وجهة الفن ووجهة الحرية. وقال: إنه لا يوجد أديب يستطيع أن يذكر لنا كيف يكون مركزه في التاريخ.. هل سيبقى.. هل سيخلد؟ لأن هذا أمر يعني الأجيال القادمة، وإننا لا نستطيع أن نفرض آراءنا على الأجيال القادمة فهذا تقييد لحريتها. فيعلق الأستاذ الجهيمان على وجهة نظر سارتر قائلا: .. إن قول سارتر فيه بعض الخطأ فالأديب هو إنسان قبل أن يكون أديبا، ومبرر وجوده كإنسان أن يشعر شعور المجتمع الذي يحياه، ويساهم في بنائه ورفعته، أما أن يستهدف الأديب الفن والحرية فقط، أي الفن للفن دون أن يتجاوب فنه مع مجتمعه مع آلام مواطنيه وآمالهم، فإن فنه يبقى بلا حياة. الأديب الذي لا يكون منارة هدى لا يكون معلما ومصلحا، لا يساهم في البناء، فأدبه أدب فارغ. ترى ماذا يعني بول سارتر بقوله: إن الأديب يعبر بحريته عما يرى وعما يحس ولا شأن له بالتبديل أو التغيير؟. إن بول سارتر يعني بقوله هذا أن يكون الأديب كآلة التصوير تصور المناظر دون أن تعرف وتشعر ما نوع الرسم الذي التقطته؟ وهذا لعمر مغاير للواقع. واختتم أستاذنا الجهيمان تعليقه بقوله: الأديب هو الذي يجيد شعور مواطنيه، هو الذي يحس بآلام وآمال مجتمعه، هو منارة هدى لا مجرد مرآة صماء تعكس فقط، ما هو أمامها. هذا ما كتبه أستاذنا عبدالكريم الجهيمان أطال الله عمره وأبقاه قبل خمسة وخمسين عاما.. وعند صدور أول صحيفة في المنطقة الشرقيةالدمام، والجهيمان ما زال يعيش بيننا بعد تجاوز المئة من عمره المديد.. فيحق له أن يستريح بعد أن أشغل المصابيح ووضع علامات في الطريق ليهتدي بها من يسير بعده.. فهذا هو التعريف الصحيح للأديب، فيحق لنا أن نفخر به وندعو له بالصحة والعافية وطول العمر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة