جاء خروج منتخب المملكة الكروي من الباب الخلفي لملحق التصفيات الآسيوية لمونديال 2010 ليضعنا أمام جملة من الحقائق التي لا مناص من الاعتراف بها والتعاطي معها بروح من المسؤولية الوطنية، وبقدر كاف من الشجاعة والصدق مع النفس، فقد مل الجمهور الرياضي من تلهيته بإلغاء عقد مدرب واستقدام غيره، وإعفاء هذا الإداري والإتيان ببديل آخر، فمع أن هؤلاء ليسوا خارج المسؤولية تماما، إلا أنهم ليسوا وحدهم المسؤولين عن الإخفاقات المتتالية لمنتخبنا الكروي، ولا يتحملوا التراجع المستمر للكرة السعودية في البطولات الإقليمية والقارية، ولو كان المدرب هو المشكلة وهو الحل لما كنا أكثر منتخبات العالم تغييرا للمدربين ومع هذا نتراجع عاما بعد آخر، وبطولة تلو أخرى، والدليل أننا في أسوأ حالاتنا منذ أن بدأت الحقبة الذهبية للكرة السعودية بفوزنا المدوي بكأس الأمم الأفريقية العام 1984. كفى تسجيل القضية ضد مجهول، ولم يعد مقبولا أن نقول: «الحق على الطليان» ثم ننسى هذه المرة الجمهور لن ينسى. «مرمطة» الملحق وتؤكد التجربة المريرة التي خاضها منتخبنا الكروي في هذه التصفيات وخروجنا المحزن بعد «مرمطة» الملحق، أن مسيرتنا تأخذ منحنى تنازليا، فمنذ عام 94 كنا نحسم تأهلنا إلى المونديال مبكرا، وننجز المهمة بشكل مريح، وكانت لنا اليد الطولى في مثل هذه التصفيات، وهذا الشيء لم يحدث هذه المرة، فقد بدأنا مرتبكين ومهزوزين، حيث دخلنا هذه التصفيات، بعد خسارتنا لكأس الخليج، ولكأس أمم آسيا، وهذه لها دلالاتها التي لا تخطئها العين، وعندما نلتفت إلى الوراء ونلقي نظرة سريعة على مسيرتنا في هذه التصفيات نصل إلى قناعة أننا لا نستحق التأهل فقد كنا الأسوأ من بين الجميع، وقدمنا مستويات متواضعة جدا لا تشفع لنا بالتأهل إلى المونديال، وكثيرون كانوا يخشون بأننا لو تأهلنا لواجهنا في جنوب أفريقيا وضعا لا نحسد عليه، بل إن هناك من يرى أن البحرينيين أطلقوا على منتخبنا «رصاصة الرحمة» ووفروا عليه المزيد من «المرمطة» في محطة نيوزيلندا. مسيرة مهزوزة ولو استعرضنا مسير منتخبنا في التصفيات، لوجدناها محبطة ومخجلة، ولا تليق بسمعتنا وإنجازاتنا الكروية، فقد التقينا في البداية مع إيران في الرياض وتعادلنا بهدف لمثله، ثم لعبنا مع الإمارات في أبو ظبي وفزنا بصعوبة بالغة بهدفين لهدف بعد أن كنا خاسرين حتى الدقائق الأخيرة من المباراة، ثم قابلنا كوريا (ج) في الرياض وخسرنا بهدفين دون رد وكان منتخبنا في أسوأ حالاته، ثم قابلنا كوريا (ش) وخسرنا بهدف واحد، وبعد هذه المباراة تم إقصاء المدرب الوطني ناصر الجوهر، وتسليم المهمة للبرتغالي بيسيرو في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن يبدو أننا عقب تلك المباراة قد فقدنا فعليا وعمليا حظوظنا في التأهل، وإن كانت الفرصة نظريا بقيت قائمة، وتعززت هذه الفرصة النظرية بفوزنا على إيران في طهران بهدفين لهدف. ثم اتبعناه بفوز ثان على الإمارات في الرياض، اتبعناه بتعادل غير مقنع وبأداء متواضع أمام كوريا (ج). إلى أن جاءت المباراة المفصلية والمهمة أمام كوريا (ش) وكان الفوز يمنحنا بطاقة التأهل، ولكننا أضعنا الفرصة وتعادلنا سلبيا، فخطفت كوريا (ش) البطاقة، أما نحن فتمت إحالتنا إلى الملحق، عقابا لنا على أخطائنا الكثيرة، وتواضع أداء لاعبينا وتراجع مستوياتنا ، فدخلنا الملحق (النفق) وأمامنا بصيص نور يومض في آخره، ولكن هذا الوميض اختفى مساء أمس الأول، بعد أن خضنا مباراتين خرجنا منهما بحقيقة كنا لا نريد أن نعترف بها قبل الملحق، وهي أننا غير جديرين بالتأهل للمونديال ليس هذا فحسب بل وإننا لم نعد ذلك الفريق الذي تخافه المنتخبات الأخرى، حتى أصبحنا مطمعا لكل فرق القارة الصغيرة منها والكبيرة. ساعة الحقيقة كانت ساعة الحقيقة تدق 93 دقيقة، هي عمر مباراتنا أمام البحرين مساء أمس الأول «الحزين»، فقد تكشف منتخبنا الوطني عن جملة من الأخطاء، بل والخطايا التي لم يعد مقبولا السكوت عليها، أو تبريرها، أو التلهي عنها، أخطاء فادحة في الإعداد الفني والنفسي، وفي اختيار العناصر، وفي التعاطي مع أجواء المباراة، أخطاء يشترك فيها الجهازان الإداري والفني وقبلهم عناصر المنتخب الوطني الذين افتقدوا إلى أشياء كثيرة أهمها الحس الوطني، وإذا ما استثنينا الثلث ساعة الأولى من المباراة، فإن غالبية عناصر الأخضر لم يستطيعوا إقناعنا بأنهم يلعبون دفاعا عن شعار بلادهم، وفي مباراة مصيرية وحاسمة، كانوا أقل حماسة وصلابة واستبسالا من منتخب البحرين الشقيق، وهذا دون شك يستحق وقفة طويلة، فبعض النجوم برهنوا غير مرة، أنهم عندما يمثلون المنتخب الوطني يكونون أقل عطاء وأقل حماسا وأقل إخلاصا مما هم عليه مع فرقهم المحلية، وهذا يضع أكثر من علامة استفهام كبيرة، وعلينا أن نفتش عن موقع الخطأ، هل هو في اللاعبين أم في المنتخب ؟ أم أين ؟ المهم أن نفتح هذا الملف بكل شفافية، ولنتصارح مع أنفسنا ومع نجومنا، حول هذه القضية التي كان الحديث في السابق يتم حولها على استحياء. التشكيلة «الحربائية» ويبدو أننا في هذه المباراة دفعنا ثمن التغيير المستمر في تشكيلة منتخبنا «الحربائية» ففي كل مكان لها لون، فالسيد بيسيرو لم يثبت على تشكيلة واحدة لمباراتين في هذه التصفيات، حيث كان يغير من مباراة إلى أخرى، سواء في العناصر أو في المراكز، فقد ظهر منتخبنا أمام البحرين مفكك الخطوط، وبدا واضحا أن لاعبينا غير متجانسين مع بعضهم البعض، وظهروا في بعض أوقات المباراة وكأنهم يلعبون لأول مرة مع بعضهم، فقد غاب التفاهم، وغابت روح الفريق الواحد، وغابت الهجمات المنسقة المنظمة، وهذا يتحمل مسؤوليته بشكل واضح مدرب الفريق السيد بيسيرو فهو لم يستثمر الوقت الذي أتيح له لخلق منتخب متجانس، وإنما ظل يبدل ويغير باستمرار، وقد يعذره البعض بداعي الإصابات التي طالت عددا من اللاعبين، إلا أن هذا لا ينطبق على تغييرات في عناصر ومراكز أخرى لا دخل للإصابات فيها. وفي المقابل إذا ما نظرنا إلى الفريق البحريني الشقيق نجد أن من أهم عناصر القوة فيه هو استقرار تشكيلته إلى حد أن التغييرات التي يجريها السيد (ماتشالا) خلال المباريات تكاد تكون محفوظة التوقيت والأسماء فهي تتكرر في معظم المباريات. هذا التجانس الذي يعيشه المنتخب البحريني كان أحد أهم أسباب تفوقه على منتخبنا، حيث بدا أكثر تماسكا، وأكثر تناغما في أدائه طيلة شوطي المباراة الأخيرة، وإذا اعتبرنا أن ضعف مستوى منتخبنا هو السبب الأول في خروجنا وتأهل البحرين للجولة التالية أمام نيوزيلندا فإن انسجام وتماسك وتناغم المنتخب البحريني هو السبب الثاني. المرض وأعراضه ولن أستغرق أكثر في الحديث عن تفاصيل المباراة، ولن أستعرض الأخطاء الصغيرة والكبيرة التي وقع فيها المدرب واللاعبون خلال المباراة، فهذا لا طائل منه، فقد قضي الأمر، ورفعت الأقلام وجفت الصحف، والاستغراق في هذا الأمر لا يعدو كونه مضيعة للوقت وإلهاء للجمهور الرياضي عما هو أهم، هذا فضلا عن أننا لا نتعلم من دروس الماضي فبعد كل خسارة بطولة، أو خروج من تصفيات ننغمس بمثل هذه التفاصيل وننسى الأهم، وهو معالجة المرض بدلا من مكافحة أعراضه. فضعف منتخباتنا الكروية، وتراجع نتائجنا، أقلها خلال العقد الأخير، ليس إلا عرضا لمرض كامن في صلب كياننا الرياضي، ولن يجدي نفعا معالجة العرض بالمسكنات، وما ينبغي علينا فعله أن نصرف نقاشنا وجهودنا وخططنا لمعالجة المرض، وعندما نعالج المرض، حتما ستختفي الأعراض، وستتحسن حالتنا الرياضية، وسيستعيد منتخبنا هيبته وقوته ونتائجه، وستستعيد الرياضة السعودية مكانتها، وستزيد انتصاراتنا، وتقل انكساراتنا، وستتوقف تراجعاتنا إقليميا وقاريا. استعمال لمرة واحدة برغم كل ما قيل عن الخطط متوسطة وبعيدة المدى لمنتخبنا الكروي، إلا أن المتابع للمنتخب الوطني يلحظ أن لكل بطولة مدرب، وأحيانا مدربين! ولكل بطولة تشكيلة وأحيانا تشكيلتين وثلاث! أي أن العمل يجري على طريقة (استعمال لمرة واحدة) وهذا في اعتقادي من أهم المشكلات التي تواجه الكرة السعودية وتحد من تطورها، وتحرمها من تحويل ما تتوافر عليه من مزايا نسبية، وما تحظى به من دعم كبير مادي ومعنوي من الدولة ومن المجتمع، وما تزخر به من مواهب وإمكانات وطاقات، إلى منجزات حقيقية على المستوى الدولي، حتى أصبحت دول صغيرة لا تعادل إمكاناتها الكروية 10 في المائة من إمكاناتنا، تنافسنا وتتفوق علينا مرات كثيرة، ولا أريد أن اسمي دول، لا يعادل حجمها الجغرافي والسكاني 5 في المائة من حجم المملكة، ولا تصرف الدولة على كرتها أكثر من 10 في المائة مما يصرف على كرتنا السعودية، وهي الآن تارة تحرجنا، وطورا تتفوق علينا، ونخشى مما يخبئه لنا المستقبل، فهذه الدول تتقدم كرويا بخطى سريعة، وتتطور الكرة لديها بشكل مذهل يختصر الزمن، ويقلص الفوارق في الإمكانات، فيما نحن نتراجع، وفي أحسن الأحوال نراوح في محلنا، وقد نجد أنفسنا في القريب العاجل مع هذه الدول في وضع لا نحسد عليه. باقي من الزمن 4 سنوات وإذا كنا فقدنا التأهل للمونديال القادم 2010 في جنوب أفريقيا، فهذا ليس نهاية العالم، ولكن ينبغي علينا هذه المرة أن نبرهن على أننا استفدنا وتعلمنا من أخطائنا السابقة. ونبدأ منذ الآن في إعداد خطة استراتيجية لمشاركتنا في تصفيات مونديال 2014 يكون عنوان هذه الخطة هو (الاستقرار) إداريا وفنيا، فقد عانى المنتخب جراء التغيير المستمر في طواقمه الفنية، والإدارية، دعونا نجرب هذه المرة مدربا لأربع سنوات.