قدم التقرير ال45 لمؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، الذي تسلمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز البارحة الأولى، دلائل واضحة على خروج الاقتصاد الوطني من دائرة الضغوط التضخمية، في ظل سياسات وإصلاحات هيكلية، متأقلما مع المتغيرات المحلية الدولية، التي انعكست بالمزيد من الخطوات الإيجابية، ترجمها ارتفاع نصيب القطاع غير النفطي إلى نحو ما يزيد على ثلثي الناتج المحلي الإجمالي. وفور نشر التقرير، برز اتفاق بتوقعات كبيرة بتسجيل الاقتصاد السعودي نموا في العام الجاري بنسبة قد تفوق التي حققها في العام 2008، مدعوما بمؤشرات، أبرزها: استمرار انتعاش أسعار النفط، ضخ القطاع الخاص مزيدا من الأموال، التوسع في قطاع البتروكيماويات، وزيادة وتيرة الصادرات، ما سينعكس إيجابا على وضع ميزانية العام 2007 في ظل الانتعاش الكبير لأسعار النفط وبفضل سلسلة الإجراءات التي تبنتها الدولة لزيادة الإيرادات واستمرار سياسة التنويع الاقتصادي. ويسجل لتقرير «ساما»، بوصفها البنك المركزي، شفافيته الكاملة في الحديث عن مسار الاقتصاد السعودي وتحدياته وهو في منتصف عقده الخامس، ففي حين أشار إلى التحسن الكبير في الإيرادات في ظل استمرار ارتفاع أسعار النفط، اعترف بأبرز تحدياته وهي: استمرار عبء الإنفاق الحكومي، والنمو البطيء لبعض القطاعات، وتصاعد وتيرة النمو السكاني وما يسببه ذلك من ضغط على البنية التحتية والعلوية وسوق العمل. وبحسب تقرير «ساما»، سجل الاقتصاد السعودي متوسط نمو سنوي حقيقي مقداره 4.2 في المائة متجاوزا بذلك نمو معدلات النمو السكاني البالغة 2.5 في المائة، في حين حقق القطاع الخاص نموا حقيقيا بلغ 4.6 في المائة. وفي العام 2008، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.5 في المائة مقارنة ب 5.3 في المائة في العام 2007، ونما الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص بنسبة 6.6 في المائة، والقطاع الحكومي بنسبة 7.2 في المائة. وتبعا لذلك، سجلت المالية العامة للدولة فائضا للعام التالي على التوالي لميزان المدفوعات في العام 2008، مع توسع رشيد ومحافظ في الإنفاق، إضافة إلى تجنيب مخصصات لتسديد الدين العام، ما انعكس على ارتفاع فائض الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وهو أمر سيعزز قوة الريال السعودي الذي لا يزال يتلقى دعما كبيرا من «ساما» للمحافظة على استقرار صرف العملة وتكوين رصيد من العملات الأجنبية. وأكدت السعودية في خطة التنمية الثامنة (2004 2009) عزمها تحسين رصيد الحساب الجاري في ميزان المدفوعات وتحويله من عجز كان يمثل ثلاثة في في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى فائض يمثل نحو 9.6 في في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الخطة. وبدا بوضوح أن العوائد النفطية ساهمت إلى حد كبير في الوضع الحالي، كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعادا جديدة لميزانية الدولة، خاصة مع زيادة وتيرة الصادرات خصوصا النفطية. ويلفت تقرير «ساما» النظر إلى مؤشر مهم وهو عدم وجود غلاء في المعيشة، إذ نما معدل الزيادة في الرقم القياسي العام لكلفة المعيشة من واقع بيانات 16 مدينة سعودية بنسبة أقل من واحد في المائة، ما يعني أن النمو الاقتصادي لجم ارتفاع معدلات التضخم. وفي المقابل، أيضا فإن نمو العرض النقدي، يعد مؤشرا إيجابيا على استمرار النمو فهو يدل على انخفاض مستويات الاقتراض الحكومي وحقيقة نمو الأسعار في معدلات متناقضة، مما يعني عمليا تلاشي مخاوف الضغوط التضخمية. ويقدم تقرير وزارة المالية للعام 2008، صورة شفافة عن احتمالات تحسن أداء الاقتصاد المحلي، خصوصا القطاع الخاص. وثمة اتفاق بأن العوائد النفطية ساهمت إلى حد كبير في النتائج التي سجلها الاقتصاد السعودي، كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعادا جديدا لميزانية الدولة في العام 2009م، خصوصا مع زيادة وتيرة الصادرات النفطية ونمو القطاع النفطي بنسبة 28.2 في المائة بالأسعار الجارية، وبما كان له أكبر الأثر في انخفاض العجز بين الحساب الجاري وحساب الخدمات والتحويلات. وفي شكل عام، فإن معدلات الأداء الجيدة للاقتصاد المحلي تنسجم مع الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق أهداف استراتيجيتها الشاملة للتنمية التي تتضمن تغييرات هيكلية لمختلف النواحي الاقتصادية والتنظيمية والإدارية، إذ أنشئت أجهزة اختصاصية وأقرت العديد من الأنظمة بهدف تهيئة المناخ الملائم لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية وإيجاد الفرص الوظيفية والاستخدام الأمثل للموارد، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. ففي مجال تنويع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على النفط كمحرك رئيس للتنمية تحققت إنجازات ملحوظة في قطاعات الزراعة، الصناعة، والخدمات المالية وغيرها، أما فيما يتعلق بتفعيل دور القطاع الخاص، استمرت الحكومة السعودية بإشراك القطاع الخاص في العديد من أعمال الإنشاء والتشغيل والصيانة التي يقوم بها القطاع الحكومي. كما قدمت الحكومة قروضا ميسرة للقطاع الخاص في مجالات الزراعة، الصناعة، والعقار، وغيرها من خلال صناديق التنمية المختلفة، إضافة إلى تسهيل الإجراءات المالية والإدارية والتنظيمية لتشجيعه على إنشاء مشاريع مشتركة مع الشركات الأجنبية، هذا بالإضافة لنظام الاستثمار الأجنبي الذي أوجد حوافز متعددة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف القطاعات.