حتمت عليهم ظروف عملهم تناول الإفطار أوالسحور خارج منازلهم، أو في حالة الطوارئ في الميدان. وربما قطع بعضهم كل ارتباطاته الاجتماعية والعائلية في سبيل التواجد في الميدان. من هذه النماذج رجال الهلال الأحمر، وما يضطلعون به من عمل إنساني في رمضان، حيث تكون غرف العمليات خلية لا يهدأ العمل فيها على مدار الساعة. مسعفون على الطريق عبد القادر سليمان، أخصائي المجتمع في مركز الهلال الأحمر في جدة، يجد سعادة في عمله الإنساني في رمضان، ويؤديه على أكمل وجه وبدون كلل أو ملل، يقول: لا شك أن تناول وجبة الإفطار بعيدا عن الأسرة والأبناء، هي من اللحظات الصعبة، ولكن طبيعة عملنا تجبرنا على تناول الإفطار هنا، فنحن نتواجد على مدار الساعة، ونتدخل في الوقت المناسب، مضيفا أن الشوارع والأسواق في هذا الشهر تشهد كثافة مرورية كبيرة، مشيرا إلى أن الدوريات في الميدان والمراكز، وبالتالي فإنه من الضروري أن يكون للهلال الاحمر تواجد مكثف حتى نصل للطالبين للخدمة الإسعافية في الزمن المحدد. ويتدخل زميله الدكتور غسان مشيخ قائلا: لحظة الإفطار مع الأسرة والأبناء لها نكهة خاصة، لكن في المقابل طبيعة عملنا تحتم علينا التواجد في الميدان في تلك اللحظة، وأقصد لحظة الإفطار، حتى نكون جاهزين لمساعدة من يحتاجنا، فهناك حوادث كثيرة تصادفنا في عملنا، والذي هو في النهاية عمل إنساني نتشرف به. أجواء حارة ورطبة وما يزال سامي حامد الزهراني، يتذكر صيامه هنا في غرفة المتابعة التابعة للشركة التي يعمل فيها كحارس أمن في جدة، فمنذ أربعة أعوام وهو يفتقد الجو الأسري في رمضان إذ يقول: اعتدت على تناول الإفطار والسحور بعيدا عن أسرتي؛ من أجل توفير لقمة العيش لهم ومنذ أربعة أعوام وأنا على هذا الحال، علاوة على الدوام المتعب الذي يمتد إلى ثماني ساعات في شهر رمضان في جو حار ورطوبة لا تحتمل، ولكن أعود وأقول لقد تعودت على العمل في مثل هذه الأجواء المهم أن يرضي المرء ضميره، فيما يقسمه الله له من رزق وأنا نصيبي أن أقضي شهر رمضان بعيدا عن أسرتي، لا سيما في أهم الأوقات وهي وقت الإفطار. كدادة الطريق لكن هليل حامد، الذي يعمل كدادا على الطريق يقول: لحظات سماع الأذان وأنت على سفرة الطعام تنتظر وحولك يجلس الأبناء والأهل هي من اللحظات الجميلة التي يشعر بها الجميع، وعلى ما أعتقد أنني لم أفطر في بيتي منذ عامين؛ وذلك بحثا عن لقمة العيش لي ولأبنائي، وقد تعودت على النوم إذا داهمني في أي مكان، حيث أن «فراشي» معي أينما ذهبت في السيارة، ومن المألوف أن أتناول طعامي على الرصيف أو في أحد المقاهي. ونفس الحال ينطبق على عامر السليطي الذي يقول: عملنا في المواقف يبدأ منذ الصباح ويستمر بعد العصر، ويتركز عملي على طريق مكة في نقل الزائرين والمعتمرين، حيث يفضل البعض الذهاب إلى الحرم لأداء العمرة، ومن ثم الإفطار هناك، ولهذا أنا مجبر على الإفطار في الطريق أو على الرصيف، في حين يبدو سعيد أبو كمال، متعبا من مشوار طريق الليث وهو على ظهر «سطحته»، يقول: أشعر بالعطش الشديد؛ لكنني تعودت على مثل هذه المشاوير ليل نهار، الآن وقد وصلت جدة وسوف أنزل هذه السيارة التي تعطلت على الطريق وعلي العودة في نفس الاتجاه فقط سوف أنتظر لأداء الصلاة، وأخذ قليل من الماء والرطب كي أفطر على الطريق، وأذكر في أول يوم في رمضان أنني أفطرت في إحدى المحطات الموجودة على الطريق، ذلك أن طبيعة عملي على هذه «السطحة» هي مساعدة المتعطلين على طريق جدة الليث الجديد ذهابا وإيابا ومحاولة إنقاذهم.