يمتاز شهر رمضان بأجوائه الخاصة التي تميزه عن بقية الشهور والتي يحرص عليها الكثيرون نظراً لما لها من نكهة خاصة، لا تتكرر في بقية شهور السنة الأخرى، فضلاً عن كونها أجواء تضفي الكثير من القيم الروحانية التي تسهم في تعزيز أواصر الأسر وتكاتفها، من خلال توفير الفرصة لاجتماع العائلة وجلوس أفرادها على المائدة لتناول وجبة الإفطار، إلا أن هناك من تحول طبيعة عمله أو المهنة التي يزاولها بينه وبين هذه الأجواء وتجبره على الإفطار بعيدا عن الأسرة ودفء الجو العائلي، وهو ما يترك في نفوس مثل هذه الشرائح الكثير من الأحزان والحنين إلى أجواء الأسرة، والافتقاد للقيم الروحانية التي يظلل بها رمضان الكثيرين. وفي هذا الصدد يقول الكابتن محمد العواجي والذي يعمل طياراً على متن الخطوط السعودية منذ 18 عاماً، إن طبيعة عمله تفرض عليه العمل بواقع واحد وعشرين يوماً في الشهر، في رحلات تمتد ساعاتها إلى أكثر من خمسة عشر ساعة، ويمر خط سير بعضها بأكثر من 17 دولة، ومنها ما يجعلنا نتوقف في أكثر من محطة لعدة أيام. وغيابي عن الجلوس مع العائلة على مائدة الإفطار يسبب لي شيئا من الإزعاج والقلق النفسي، وكذلك كان هذا الأمر نقطة خلاف مع زوجتي خصوصاً في السنوات الأولى إلا أنها تقبلته مرغمة وعلى مضض بعد مضي سنوات طوال، وأكثر ما يهز وجداني ويحز بنفسي حينما أرتدي البدلة متوجهاً للسفر هو منظر أطفالي الذين يظلون ممسكين بأطراف البدلة وهم يبكون يريدون مني البقاء وعدم السفر، وكذلك حينما أكون قائداً للطائرة وأعلن للركاب عن دخول شهر رمضان المبارك فمع الإعلان يكون هناك غصة وشوق للعائلة، مشاعر لا أستطيع وصفها ولكن ما يخفف من مرارة الشعور بالبعد عن العائلة هو مشاهدة الفرحة التي ترتسم على وجوه الركاب وسماع الدعاء منهم. ولا أنكر بأنني وزملائي أعضاء الطاقم الذين معي نحاول أن نهرب من هذا الجو والخروج من دائرة الحزن بصنع جو رمضاني والتواصل مع العائلة عبر الاتصال الهاتفي. أما قائد الدوريات والنجدة في عرعر الرائد نايف جهيم الرويلي، فيشير إلى أن الكل يتمنى أن يعيش هذه الأجواء مع أفراد الأسرة لكن طبيعة عملنا لا تنتهي بساعات الدوام الرسمي، وهو ما يسبب للكثير منا الانزعاج أو عدم رضا من قبل الأسرة، فطبيعة العمل تحتم علينا الخروج لأي بلاغ نتلقاه عبر الهاتف ومباشرته وتقديم الدعم والمؤازرة لبعض الجهات الأمنية الأخرى مثل المرور والدفاع المدني وأمن الطرق. مما يجعلنا لا نستطيع تناول الإفطار إلا من خلال 5 دقائق نتمركز فيها في مواقع معينة حرصاً على الجانب الأمني، وفي بعض الأحيان تجدنا نتأخر في تناول الإفطار لأكثر من ساعتين وربما لا نستطيع الإفطار نهائياً خصوصاً في حال حدوث قضايا أو حوادث أو جرائم كبيرة، أو وقوعها على مسافات بعيدة. ويعتبر خالد بن صالح البلوي أحد رجال الجمارك، والذي يعمل على وظيفة مدير مناوب في منفذ الحديثة، أن رجال الجمارك ممن حرموا لذة الإفطار مع العائلة في هذا الشهر الكريم والتي لها طعمها الخاص والمميز، وذلك بسبب طبيعة العمل والتي تكون على شكل مناوبات يصادف موعدها موعد الإفطار على مدى 3 أيام أسبوعيا. ويضيف البلوي نحن نتناول إفطارنا في المنفذ في مدة لا تتجاوز 10 دقائق والتي عادة ما تكون حبات من التمر وكوبا من اللبن، فشهر رمضان يكثر فيه القادمون إلى المملكة من مسافرين ومن قادمين لأداء العمرة. ويضيف البلوي نحن في هذا التوقيت نرفع درجة الحظر والتدقيق لكي لا يستغل هذا التوقيت من قبل بعض ضعاف النفوس من المهربين في إدخال المخدرات وغيرها عبر المنفذ. وبدوره يقول أحمد المضياني والذي يعمل مسعف حالات في الهلال الأحمر السعودي بعرعر إن عملنا ليس له وقت محدد ونحن ننتظر صوت جرس الهاتف ليخبر عن مصاب أو مريض يحتاج إلى نقل إلى مستشفى لذلك نجد أنفسنا أمام عمل إنساني يحتم علينا أحيانا قطع الإفطار أو تأخيره لمباشرة حادثة أو حالة إسعافية أو إنقاذ روح. مضيفاً أنه في نهاية الأمر الصوم عبادة والعمل عبادة و ليس لنا عمل محدد فعملنا يرتبط بالميدان في كثير من الأحيان ويتطلب منا السرعة في أكثر الأحيان فتأخير دقيقة قد يؤدي إلى وفاة شخص. أما بندر العنزي الذي يعمل ممرضا في قسم الطوارئ بمستشفى عرعر المركزي فيقول: إننا نستعيض عن الإفطار مع الأسرة، بالإفطار الجماعي بعد إنهاء الكورس العلاجي للمرضى وتوزيع الأدوية عليهم والذي قد لا يتحقق لنا في بعض الأحيان التي تأتي فيها حالات إسعافية إلى القسم وقت الإفطار فننسى أنفسنا، خصوصاً إذا كانت الحالات حوادث مرورية، وأذكر أننا في أحد الايام لم نتمكن من تناول الإفطار إلا بعد الساعة العاشرة مساء، حيث استقبلنا حادث سير مفجعا وكان فيه إصابات عديدة واكتفينا بشرب الماء إلى حين الانتهاء من تقديم العون والإسعاف للمصابين ومباشرة الحالات الخطرة من قبل الأطباء المتخصصين.