يعلن جوال (المش عارف أيش) تلفزيونيا عن خدمته الجديدة لتحويل كل أفراد المجتمعات الخليجية إلى شعراء نبط، حيث يمكنك إرسال كلماتك (المكسرة) فتعود إليك (موزونة)، وفي الإعلان تأكيد مشدد على أن يتم لك هذا في (سرية تامة)، فما الذي يقوله الإعلان فعلا؟ إنه يقول أولا: إن الشعر ليس سوى وزن وقافية، صحيح أنه لا يعلن عن تبرعه بتصحيح القافية، لكنه يفعل ذلك؛ لأن القافية أسهل بكثير من الوزن، وأظنه سوف يقدمها هدية مجانية (فوق البيعة) مثل محارم الورق التي تقدم لك عند تعبئة سيارتك بالوقود عند أية محطة، ولذلك ربما كان أول مشهد خطر على بالي بعد مشاهدة الإعلان مجموعة من العمال من شرق آسيا يرتدون قمصانا برتقالية طويلة يحملون كراتين يوزعون منها أوراقا تضم قوافي، فورقة مكتوب فيها: (رعبوب/ محبوب/ أيوب/ يعقوب/ نبنوب/ مسكوب/ مرغوب/ مهيوب/ ملعوب/ مطلوب/ مشبوب/ مقلوب)، وأخرى تضم: (صافي/ حافي/ جافي/ خافي/ غافي/ لافي/ طافي/ ضافي/ وافي/ كافي/ سافي/ نافي) وهكذا فلا تتعجب إن رأيت مثل هذه الأوراق وعند محطات الوقود أيضا، فالشعر ليس سوى تعبئة أيضا. أما الأوزان فستجدها في أكشاك صغيرة تابعة لنفس محطة الوقود، حيث يمكنك تغيير زيت السيارة والتأكد من وزنية الإطارات و(وزنية) قصيدتك في نفس الوقت، و قد توجد محلات (الوزنية) في بسطات مع بسطات الخضار وعندها ستكون (الوزنية) على (شرط السكين) لتتأكد من (حمارها). ونعود للإعلان، فهو يقول ثانيا: إن عدم معرفة الوزن (عيب) و (فشيلة)، ويجب توزيعه بالطريقة نفسها التي يتم فيها تعاطي (الفياجرا)، حيث يطلبها الرجل من الصيدلي بصوت خفيض وابتسامة خجولة ورأس مطأطئ قليلا، وفي الحالتين لا تحضر سوى الرغبة في (الانتصاب) والاستقامة إما دليلا على رجولة كاملة، وإما دليلا على شاعرية تامة، وإن تناقضت الشعارات ففي المنشطات الجنسية يقول لك الإعلان: (الرجال أفعال مو أقوال)، وفي المنشطات الشعرية سيقول لك الإعلان: (الرجال أقوال مو أفعال)، ومثلما ضاق الفهم وشح حتى صار تعريف الشعر على أنه (الكلام الموزون المقفى) يحمل كلمات عتيقة رحبة وفهما جديدا ضيقا، فإنه يمكن وبسهولة تحويل الفهم لمصطلح (فحول الشعراء) إلى غرف مغلقة أشد ضيقا، مليئة بالعفن والرطوبة.