الْمُرُوءَةُ لُبُّ الإنسانيَّةِ عندَ العربِ وقِيمةُ القِيَمِ في أخلاقِهِم. لهُمْ فيها أخبارٌ ومآثِرُ يطولُ الحديثُ فيها، لوْ رام امرؤ الوقوف عندها، ويكفي أنَّ كمال الإنسانيَّةِ متحقِّق فيها، فالْمَرْءُ والمرْأَةُ إنَّما تَعَيَّنَ وجودهما الاسميّ، ووجودهما الحِسِّيّ في صِلَة ما بينهما وبين الْمُرُوءَة. وكان مِنْ كمال آلة السِّيَادة والنُّبْلِ عند العرب قول الشِّعْر، وأن يكون زعيم القوم فارسًا شاعرًا شهمًا كريمًا، وعسى أن يكون ذلك سببًا في فُشُوِّ الفَخْرِ وقصيدة الْحَمْد في شِعْر العرب قبل أن يُمَهِّد النّابغة الذّبيانيّ والأعشى والحُطَيئة لشِعْر التّكسُّب فينحدر الشِّعْر مِنْ عليائه وذُراه، ويستهين القوم بشأن الشَّاعر وقدْ بلغ لديهم مقامًا عَلِيًّا. يقول ابن رشيق القيروانيّ عنْ ذلك الانحدار الذي بدأ بتكسُّب الأعشَى مِنْ شِعره: "وتكسَّب زهير بن أبي سُلْمَى بالشِّعْر يسيرًا مع هَرِم بن سِنان. فلمّا جاء الأعشى جعل الشِّعر متجرًا، يتجر به نحو البُلدان، وقصد حتّى ملك العجم... ثمّ إنّ الحطيئة أكثر من السُّؤال بالشِّعر، وانحطاط الهِمَّة فيه والإلحاف، حتّى مُقِتَ وذَلَّ أهله، وهلُمَّ جَرَّا. إلى أنْ حُرِمَ السّائلُ والمسؤول". بيد أنَّ ذلك لم يَحُلْ دون فُشُوِّ الشِّعْر الذي يَصْدُرُ عنْ أنفُس عزيزة تأبَى الذُّلّ، ولولا ذلك لما كثُرتْ تلك الأقوال التي تُعْلِي مِنْ الشِّعْر وشأنه، وتقرنه بالحكمة بقران واحد، كما في قول الرّسول - صلَّى الله عليه وسلّم: "إنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً"، وأقوال أخرى تُنْسَبُ إلى عمر بن الخطّاب –رضي الله عنه- وعائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - وعشرات من أهل البصر بالشِّعر وأخبار العرب. يقول عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه: "تَحَفَّظُوا الأشعار، وطالعوا الأخبار، فإنَّ الشِّعر يدعو إلى مكارم الأخلاق، ويُعَلِّم محاسن الأعمال، ويبعث على جميل الأفعال". وقال - رضي الله عنه: "عَلِّموا أولادكم العوم والفروسيّة، ورَوُّوهم ما سار من المثل، وما حَسُنَ مِنَ الشِّعْر". وقال معاوية بن أبي سفيان: "يجب على الرّجل تأديب ولده، والشِّعر أعلى مراتب الأدب". وقال ابن عبّاس - رضي الله عنهما: "الشِّعْر عِلْمُ العرب ودِيوانها، فتعلَّموه، وعليكم بشِعْر الحجاز". والذي يَظْهَرُ أنّ الشِّعْر نَزَلَتْ مرتبته، مع اختلاف ثقافة العرب بسبب الإسلام وما جَدَّ على جزيرة العرب مِنْ تَغَيُّر في المعاش والاقتصاد، فألفَى الشُّعراء أنفسهم وقدِ استباحُوا لأنفسهم الوقوف بأبواب الملوك يسألون ويبتذلون نفوسهم، حتَّى سَئِمَ الملوك منهم ذلك، فهذا معاوية بن أبي سفيان يقول: "إيّاكَ والمدحَ فإنّه مكسبُ الأنذال"، هذا وقدْ كان الشِّعْر في جاهليَّة القوم ميدان الشَّرَف والفروسيّة والعفاف والتّألُّه. قال ابن سلاّم" كان من الشُّعَراء مَن يتألَّه في جاهليّته، ويتعفَّف في شِعْرِه، ولا يستبهر بالفواحش، و لا يتهكَّم في الهجاء". ولكنّ هذه المقولة وسواها ممّا يَصْدُر عن الملوك والأمراء لم تكُنْ لتصبح سَجِيّةً وسُنّةً، فأخبار الشِّعْر تقفنا على أنّ أرباب البلاط لم يكونوا لِيُرِيدوا للشُّعراء أن ينصرفوا إلى ما طلبوه مِنَ الشِّعْر، وتُنْبئنا مدوَّنة الأخبار التي راجتْ في بلاط أولئك الملوك بتلك القواعد التي تراعي "المقام"، وتلك الشُّروط الصّارمة التي أضحتْ، فيما بعد، جُزْءًا منْ أقْيِسَة النُّقّاد وقواعدهم، ولذلك بلغ شِعْرُ المديح، في خاتمة القرن الأوّل مِنَ الهِجْرَة مكانًا سَنِيًّا، وأصبح سَبَبًا في عُلُوِّ شأن شاعر ما أوْ سُقُوطه، وما خبر الشَّاعر العظيم ذي الرُّمَّة ببعيد، وقدْ أخلص للشِّعْر وكان أحسن الشُّعراء تشبيهًا، وما نزل شأنه إلا لأنّه لم يمدح الملوك! قطع الشِّعْر رحلة طويلة، وكابد الشُّعراء في سبيل الشِّعر ألوانًا مِنَ المعاناة والصَّبر، فالزَّمن اختلف، والقيود كَبَّلَتِ الشَّاعر بأضْرُب من المناهي الدِّينيّة والسِّياسيَّة، ونزل شأن الشِّعر، رويدًا رويدًا، وزاحمه في آلة القول صِنْفٌ جديد مِنْ أهل القول، وهم "المؤدِّبون" و"كُتَّاب" الدَّواوين، وخَلَفَ على كُرْسِي الحُكْم خَلْفٌ لا يُقيمون للشِّعْر كبير وزن، وبلغتِ المدينة العربيّة غاية ما انتهتْ إليه مِنْ تَرَفٍ، وطَغَى سُلْطان المال على كلِّ ما سواه، حتَّى فشا في كلام النَّاس، آنئذٍ، قولهم: "المالُ المال وما سواه مُحال"، وحتَّى انتشر الفقر، والتّفاوت بين النّاس، فأكثر الشّاعر الشَّكوى والأنين، واختلفتْ طُرُق القول لدى الشُّعراء؛ فشاعر يسلك سبيل السُّخْر، وشاعر ينتهج طريق الزُّهد، وشاعر يترجَّح بين هذا وذاك، وأضحى ذَمّ الزَّمن الفاسد دَأب شعراء ذلك العهد، وقولاً شائعًا في شِعْر القوم، ومعْنًى لا تُخْطِئه العين، وهي تجوس في خلال ذلك الشِّعر: يقول أبو تمّام: أُسِيءُ عَلَى الدَّهْرِ الثَّنَاءَ فَقَدْ مَضَى عَلَيَّ بِجَوْرٍ صَرْفُهُ الْمُتَتَابِعُ أَلا إِنَّ نَفْسَ الشِّعْرِ مَاتَتْ وَإِن يَكُنْ عَدَاهَا حِمَامُ الْمَوْتِ فَهْيَ تُنَازِعُ أَرَاعِي مَظَلاَّتِ الْمُرُوءَةِ مُهْمَلٌ وَحَافِظُ أَيَّامِ الْمَكَارِمِ ضَائِعُ؟ ويقول ابن الرُّوميّ: لَهْفِي عَلَى الدُّنْيَا وَهَلْ لَهْفَةٌ تُنْصِفُ مِنْهَا إِنْ تَلَهَّفْتُهَا فَكَّرْتُ فِي خَمْسِينَ عَامًا مَضَتْ كَانَتْ أَمَامِي ثُمَّ خَلَّفْتُهَا لاَ عُذْرَ لِي فيِ أَسَفِي بَعْدَهَا عَلَى الْعَطَايَا عِفْتُهَا عِفْتُهَا وأنت إذْ تظْهرُ على طرف ممّا ساقتْه كُتُب القوم في النّوادر والأخبار، وهي كثيرة جِدًّا، تَجِدُ إلحاح تلك الكُتُب على ضُرُوب مِنَ القول، شِعْرًا ونثْرًا، تَحُومُ حول تلك المعاني التي رامها النّاس ولمْ يُدْرِكوها، ففَزِعوا إلى الشِّعر والخبر تقييدًا لِخُلُقٍ نبيل، وحثًّا على جليل العمل، بلْ إنَّك واجدٌ في دِيوان "الْحَماسة" لأبي تمّام بابًا للشِّعْر يقف عند "الأدب" لا يتعدَّاه، وما الأدب، في اصطلاح القوم، سوى جليل العمل ومحاسن الأخلاق، ونَهَج أصحاب الاختيارات نَهْجَ أبي تمّام في حماسته، وكأنَّهم يُلِحُّون على استدراج جُمْلة مِنَ المعاني التي طالما جَهدوا في طِلاَبها، ويشدُّ النَّظرَ تلك الشَّكوى من الزَّمن الفاسد الذي يُعْلِي مِنَ الأراذل، ويهبط بأصحاب المروءات. تجد ذلك في غير قصيدة، وفي غير ديوان، وفي غير كتاب، وكأنَّ لسان حال القوم ما قاله أبو العلاء المعرِّيّ: لاَ تَطْلُبَنَّ بِآلَةٍ لَكَ رُتْبَةً قَلَمُ الْبَلِيغِ بِغَيْرِ حَظٍّ مِغْزَلُ أوْ ما قاله الطُّغرائيّ في لامِيَّته العظيمة: وَإِنْ عَلاَنِيَ مَنْ دُوْنِي فَلاَ عَجَبٌ لِيْ أُسْوَةٌ بِانْحِطَاطِ الشَّمْسِ عَنْ زُحَلِ والشِّعْر العربيّ، في رِحْلَته الطَّويلة - التي بدأتْ منْ مَجَاهِل التّاريخ حتَّى زمننا الحاضر- يحفل بضروب مختلفة مِنَ القصائد والأبيات التي تُعَلِّم العقل، وتَعْمُر الرُّوح، وتدُلّ على المروءَة ومكارم الأخلاق، وتُشِيع الطُّمَأْنينة في النُّفوس، وكأنَّ الشِّعْر أضحى كيمياء للنَّفْس الحائرة، يأخذ بيدها إلى حيث السَّكينةُ والنَّجاة. يَذْكر الشّاعر اللُّبنانيّ أمين نخلة تجربته مع ذلك الشِّعْر، في تذكار من تذكاراته: "للتمثُّل بالأبيات النَّازلة منازلها في صواب الأمور، وسدادها، موقع في النَّفس عظيم! ذكرتُ لأخٍ لي في بعض الأيَّام بادرة بدرتْ من واحد من إخواننا، فقال: "أيّ الرِّجَال المهذَّبُ!"، يُشير إلى قول الشَّاعر: ولستَ بمُسْتَبْقٍ أخًا، لا تلُمُّهُ عَلَى شَعَثٍ، أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ!!! فَسَكَنَ، والله، ما كان في نفسي". ويقول: "في أثناء مقامي بإسطنبول تردَّدْتُ على "يلدز"، وهو قصر السلطان عبد الحميد، ومن أعظم ما أثَّر السلاطين وأثَّلوا في إسطنبول. فكنتُ في كلّ مرَّة أقصد بها إليه، لا يبرح خاطري هذا البيت من الشعر القديم: فِي هَذِهِ الدَّارِ، فِي هَذَا الْمَكَانِ، عَلَى هَذَا السَّرِيرِ، رَأَيْتُ الْمُلْكَ فَانْقَرَضَا وقدْ صادف أنْ كان يرافقني إلى "يلدز"، في إحدى المرَّات، صديقي الأستاذ أحمد أَتش، مِنْ كبار الأساتذة في جامعة إسطنبول، ومِنَ الذين توفَّروا على درس العربيَّة وعلومها وآدابها. فذكرتُ له البيت (في هذه الدَّار)، فطار سرورًا به. ثمَّ قال: "لكم الله! فإنَّكم لا تُفْلتون معنًى، ولا غرضًا! وترانا نحن، وهذه أُمّ عواصمنا بين عيوننا، وهي تكاد تكون دار تحف، وآثار، وعظمات سلاطين ودول وأديان وفتوح ترجع إلى أشهر أدوار التّاريخ، ثمَّ لا نجد في شِعْر شعرائنا، في قديم وحديث، نظيرًا يُلِزُّ بقول صاحبكم، قائل هذا البيت!!!". وأنا أجد الحِكْمَة وفَصْلَ الخِطَاب والسَّكِينة والطُمَأْنينة وغِذَاء العقل وذكاء الرُّوح في طائفة عظيمة مِنَ القصائد، وفي جمهرة مختارة مِنْ أبيات الحكمة، وإنَّني لأُحِسُّ أنَّني لا أستردُّ راحتي وسكينتي إذا جَدَّ أمرٌ أوْ ضُيِّقَ على نفسي إلا بقول مِنَ الحكمة، قدْ يكون آية قرآنيَّة كريمة، أوْ حديثًا شريفًا، أوْ قولاً مأثورًا، أوْ بيتًا سائرًا، وإذا غاب عنِّي ذلك القول أُحِسُّ مِنْ نفسي ضيقًا وألمًا، ولا يقرُّ لي قرار، ولا تَسْكُنُ نَفْسِي إلا ساعة أتمثَّل به فيزول عنِّي ما كان جَثَمَ على صدري من الهمِّ والضِّيق. ومن الشِّعْر الذي يُعَلِّم المروءَة قصيدة للقاضي أبي الحسن عليّ بن عبد العزيز الْجُرْجانِيّ (ت 392ه)، تُعْلي مِنْ معالي الأمور، وتُزَهِّد النُّفوس الشَّريفة بمواطن الضَّعَة، هام بها العلماء والأدباء وتناقلوها قرنًا بعد قرن حتَّى انتهتْ إلينا أبياتها في ثوبٍ من الجلال والكمال، وفي حِلَّة مِنْ أدب النَّفْس، وجمال الشِّعر وجلاله. والقاضي الْجُرْجاني منْ أعظم نَقَدَة الشِّعْر في تراثنا العربيّ، له غير مؤلَّف في الفقه والقضاء والأدب، وله ديوان شِعْر لم يصلْ إلينا، وما طُبِعَ في عصرنا الحاضر مِنْ شِعْره إنْ هُو ما انتهى إليه جامع شِعْره في دواوين الأدب والطَّبقات، غير أنَّ القاضي الْجُرْجانيّ استودع تاريخ الأدب كتابه العظيم "الوساطة بين المتنبِّي وخصومه"، لِيُصْبِحَ بهذا الكتاب ناقدًا مِنْ أعظم النُّقَّاد ليس في اللِّسان العربيّ، ولكنْ في تاريخ النَّقد ونظريَّته، وأنْبَأَ القاضي الْجُرْجانِيّ بكتابه هذا عنْ بصيرة عجيبة بمضايق الشِّعر، وعنْ معرفة تامَّة بتراث العرب، ونَمَّ عنْ رُوحٍ مُنْصِف هو بعض ما تَحَدَّر إليه منْ عمله بالقضاء. وأنا لا تكاد تمرُّ بي حادثة منْ حوادث الأدب والثَّقافة دون أنْ استشهد بأبيات فخمة ضخمة منْ قصيدة القاضي الْجُرْجانيّ، دَفْعًا للسَّآمة، ورغْبَةً عَمَّا يخوض فيه جمهرة من النّاس مِنْ الفضُول والسَّخافات. وتلكم الأبيات هي: يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا رَأَوْا رَجُلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا وقوله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا مُحَيَّاهُ بِالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا وهذه القصيدة تدلُّ على الْمُرُوءَة، وتُرْشِدُ إلى عِزَّة النَّفس، وقدْ كان القاضي الْجُرْجانِيّ ذا نفْس أبيّة، صانَها عن المباذل فارتفعتْ، وعلا شأنه، ولم يحفظِ التّاريخ له زَلَّةً أوْ هفوة، ولم يُدَنِّس شَرَفَ العِلْم بابتذال ماء وجهه، فَنَمَّتْ قصيدته عنْ امرئ يأبَى الضَّعَة له ولِعِلْمِه. ولوْ كان لي مِنْ أَمْر لَرَغَّبْتُ أهل القلم من المثقَّفين والعلماء والأدباء بحِفْظ جانب مِنْ هذه القصيدة العظيمة، وتزيين مكاتبهم بها، فيكفي أنّها تُعْلِي مِنَ الْمُرُوءَة وقدْ عَزَّ وِجْدانُها! وهاكَ القصيدة كما رواها عليّ بن عبد الكافي السُّبكيّ في "طبقات الشَّافعيّة الكبرى": يَقُولونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا رَأَوْا رَجُلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ وَمْنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لاَحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي وَلاَ كُلُّ مَنْ لاَقَيْتُ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا وَإِنِّي إِذَا مَا فَاتَنِي الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ أُقَلِّبُ كَفِّي إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا إِذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي لأِخْدِمَ مَنْ لاَقَيْتُ لَكِنْ لأِخْدَمَا أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً إِذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا مُحَيَّاهُ بِالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا قال السُّبْكيّ - رحمه الله: "لله هذا الشِّعْر! ما أبْلَغَهُ وأَصْنَعَه! وما أَعْلَى على هامِ الجوزاء مَوْضِعَه! وما أَنْفَعَهُ لَوْ سَمِعَهُ مَنْ سَمِعَه! وهذا فَلْيَكُنْ، وإلاّ فلا، أدبُ كُلِّ فقيه، ولِمِثْل هذا النّاظم يَحْسُنُ النَّظْمُ الذي لا نظير له ولا شبيه، وعند هذا ينطق الْمُنْصِف بعظيم الثَّناء، على ذِهْنه الخالص لا بالتّمويه".