اجتهد الشاب السعودي (م.ع)، في تبرير ما قام به وقال هو أو محاميه، استنادا لما نشر في الصحافة المحلية، إنه كان ضحية لعملية مونتاج ودبلجة وبتر متعمد، وإن القائمين على البرنامج أفهموه بأنه سيقوم بدور تنويري في حلقة توعوية موجهة للشباب، وكلامه جيد ومطلوب إذا أخذ من هذه الزاوية، لولا أن المحطة التي ظهر فيها تخصصت قبل تورطه معها في نبش كل محذور سعودي والكلام عنه بطريقة مستفزة ومتطرفة في رؤيتها، وللتذكير فإن (م.ع) أصبح أشهر من نار على علم، بعد ظهور المخجل يوم الأربعاء الثامن من يوليو 2009 في برنامج «أحمر بالخط العريض» واستعراضه لتجاربه الشخصية وخبراته الخاصة و «الحميمة جدا» في موضوع حساس ودقيق، وإذا صدق محامي المتهم في أن المشاهد صورت قبل سنة، فما هو السبب وراء اختيار هذا التوقيت تحديدا لعرضها، ولماذا كل هذه «الزفة» الإعلامية في متابعة آخر تطوراتها وكأننا أمام فيلم «أكشن»، وطبقا للمحامي فالشريط المصور كانت مدته ساعتان أصلا، وأخذت منه خمس دقائق للعرض في البرنامج، وهنا سؤال عن حقيقة تشويه الفضائية العربية لسياق الاقتباس المتلفز ودرجة تورطها في الحذف أو الزيادة على محتوى المادة الفعلية، خصوصا أن جانيت مالكوم ذكرت في افتتاحية كتابها: الصحافي والقاتل(1990) أن بعض الأعمال الصحافية لا تقبل أي دفاع أخلاقي، لأنها ببساطة تستغل وتستثمر أربع سنوات في « في نقاط ضعف الناس، حتى تصل إليهم وتكسب ثقتهم، وأنها تخون هذه الثقة بكشف أسرارهم دون أدنى شعور بالذنب أو تأنيب الضمير، أو بعبارة أخرى، الصحافي قاتل أنيق أو ناعم، والزيادة أنه ربما أخفى هويته أو انتحل الصفة للوصول إلى الخبر المثير، والأمثلة موجودة في معظم وثائقيات «القناة الرابعة» في بريطانيا. نقد بعض الظواهر السلبية في المجتمع السعودي ليس أمرا طارئا، وهناك أصوات محلية وخارجية ناقشت في مجالسها الخاصة ونشرت في الصحافة العربية والعالمية المطبوعة، وفي مواقع الإنترنت ملاحظات كثيرة لا يخلو بعضها من وجاهة، وهذا في حد ذاته، وبدون الدخول في التفاصيل، يشير إلى وجود أخطاء تحتاج إلى مراجعة، والقضية عمليا ليست محصورة في الشخص الذي تجرأ وقال ما قال في البرنامج، وإنما تشمل المقدم والمنتج والمعلن والمشاهد، وكلهم حسب فهمي، وأيضا طبقا للمنطق الإعلامي الذي أعرف، مشارك في قضية التشويه والإفساد ويستحق المحاسبة، فالمتابع للمواد الخارجة في الإعلام يحرض المعلن على تسويق بضاعته في فواصلها الإعلانية، ويفتح شهية المحطة لإنتاج مواد إضافية منها، ويرفع أرباح المؤسسة الإعلامية وجميعهم مسؤول، والمذكور يعني أن معالجة القضية من أساسها تحتمل حلولا كارثية، وما دام الطلب موجود فالعرض لن يتوقف، ولن يلغيه امتناع محطة أو محطتين، والموقف يقترح إصلاحا اجتماعيا لأخلاق المجتمع، وتوفير بدائل إعلامية مناسبة ومرغوبة، أو هكذا أعتقد وأترك الرأي الشرعي لمن يفهم.. المشكلة في أخلاقيات الصحافة، لا تتوقف عند فشل الصحافي أو الإعلامي أو الناشر، أحيانا، في التفريق بين الصح والخطأ، أو ما يجب وما لا يجب، وإنما في عجزه عن تبرير أو نقل وجهة نظره، أيا كانت، بصورة متوازنة ومقنعة، والتحدي الأكبر الذي يواجهه الإعلام هو طبيعة القواعد الأخلاقية، التي تضبط الحقيقة الصحافية، أو الحقائق في الخبر، وعمليا لاتأتي المعرفة الأخلاقية بالتجربة والقراءة وحدها، ويلزمها دائما تقديم الإثباتات المعززة لما ينشر أو ينقل، وبأسلوب يضيف إلى سمعة المؤسسة الإعلامية، وتكرس الثقة في أخبارها وتمثيلها الفعلي لجمهورها والمجتمع، والأخلاق في الصحافة المتلفزة والمطبوعة ترتبط مفصليا بالثقة، وغياب الثقة يغيب الأشياء كلها، والمتوقع أو المؤمل من هذه الصحافة أن لا تهتم بالأخلاق لتجميل نتائجها أو إعطائها الشرعية، وأن لا تركز كذلك على المادة الإعلامية في صيغتها النهائية أو تنشغل بالإثارة أو القيمة الإخبارية المؤقتة، ويفترض أن تستوعب كل الأطراف المستفيدة أو المتضررة منها، وهو مالم يحدث لا في البرنامج الفضائي ولا في التغطيات الصحافية المهتمة بتجاوزات (م.ع) ولا بد كذلك أن تؤلف المادة مشهدا متكاملا للحوار المجتمعي، يلتزم فيه الإعلام بالرد المعلن والمسؤول على أي استفسار يخص أخباره أو برامجه ودوافع نقله ونشره لها، ويشرح دور الحدس أو الحس الصحافي في اختيار توقيت غريب للمادة القديمة، أو للدقة بداية الموسم السياحي للخليجيين في لبنان وغيرها، ومدى انسجام السابق مع القيم والمعايير الصحافية، وكتب كانط في مؤلفه: الإساس في ميتافيزيقيا الأخلاق أو المثاليات (1964) بأن المعرفة الأخلاقية بديهية، ولا تشترط حضور العلم أو الفلسفة للإقناع بها، وإن العادة والتكرار والنتائج الاجتماعية المرضية، تلعب دورا مركزيا في بناء قيم الصلاح والحكمة أو العفة والطهارة، وأن الإنسان العادي وليس العالم أو المثقف هو من يقرر هذه الضوابط ويساندها، وإيمانويل قيد الحكم على الأشياء بالذوق وليس القيمة الجمالية، والأمور البديهية أو المتفق عليها عند ويليام لويس (1987) محكومة بثقافة المجتمع الذي تتشكل فيه، والمعنى أنها تبقى معرفة محلية لا تقبل «التدويل» أو التطبيق في مجتمعات مختلفة ثقافيا، تماما كالتقبيل بين الرجال المسموح به في المجتمعات العربية والمستهجن في المجتمعات الغربية، ولا يحق في العرف الصحافي الغربي وربما العربي، أن يتم تسجيل أو تصوير الحوارات الإعلامية أو نشرها إلا بعد موافقة «صريحة» من الشخص المجرى معه الحوار، ويجوز للشاب (م.ع) أو محاميه أن يقاضي المحطة الفضائية إذا كان ما يقوله صحيحا ويستطيع إثباته بالدليل أو بمعرفة المختصين في أمور المونتاج..!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة