كلما كبر الخوف، ازدادت رغبة الناس، في التشابه، والتماثل، أما أشجار الاختلاف، والتمايز، والتفرد، والمغايرة، فليس سوى الأرض الآمنة، والهواء النقي من المخاوف، قليل الحذر، مكانا صالحا لزراعتها، ومرتع المخاوف: الجهل، وأنت حين تقرأ تاريخ الأمم، وحضاراتها، أو حين تتفحص حال شعوب العالم، اليوم، يتأكد لك هذا الأمر جليا، فالشعوب المتقدمة، والأكثر تحضرا، والأقوى اقتصادا، والأنشط بحثا علميا، هي الأقل خوفا من تأثيرات المجتمعات الأخرى، والثقافات الأخرى عليها، وهي الأكثر تقديرا، للمواهب المتفردة، وللنوابغ من أفراد مجتمعها المفتوح دائما، على هواء التغير، والتجديد، وعلى النقيض من ذلك، تكون أحوال المجتمعات المتخلفة، علميا، واقتصاديا، وسياسيا، وكلما ازداد هذا التخلف، ازدادت مطالبة المستفيدين منه، بضرورة التشابه، ووجدت المغايرة هجوما شرسا، وقاسيا، وربما مسلحا أيضا، وعادة ما تكون هذه الفائدة وقتية، والأهم أنها ضيقة، ولا تخدم سوى مصالح آنية، خاصة، وإن بدت حججها، وخطاباتها مهتمة كثيرا، بحال الأمة، والوطن، والمجتمع، إن فنون، وآداب كل مجتمع، وأي مجتمع تتبع في مجملها، طبيعة هذا المجتمع، التي تنتجها حقيقة وجوده الآمنة المستقرة، أو الخائفة المهتزة، قلقا وريبة، وكلما تقدم المجتمع، علميا، واقتصاديا، وفي مختلف المجالات شعر بالأمان أكثر، وقلت مخاوفه، وصار قادرا على النظرإلى الحياة بصورة أوضح، وأجمل، وأعمق، وأشد احتراما للموهبة المتفردة، والعمل الفني المتميز، ونجح في إزاحة قناعات وهمية كثيرة، وأمثلة حكم عديدة، أظن أنني أعرف واحدة منها: (لا صرت خامس خمسة، لا تتحسف حالك)!. صندوق بريد: 375225 الرياض الرمز البريدي: 11335 [email protected]