في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر هناك اتجاه فكري عبر عنه بعض العلماء المسلمين الذين ينتمون إلى حقل العلوم الطبيعية كالفيزياء والأحياء والرياضيات، وذلك بعد أن وصلوا إلى مستويات رفيعة في هذه التخصصات، وعرفوا عند الآخرين بهذه المنزلة العلمية المتفوقة. وإلى جانب هذه التخصصات العلمية كان لهؤلاء إسهامات فكرية هي التي عرفت بهم في ساحة الفكر الإسلامي، ولولا هذه الإسهامات الفكرية لكانت شهرة هؤلاء لا تتعدى النطاق العلمي، ونطاق التخصص الذي ينتمون إليه بشكل خاص. ولكون هذه الإسهامات الفكرية عكست خبرة ومعارف العلوم الطبيعية التي تجلت فيها، وتشربت منها، لهذا جاز القول: إنها تعبر عن اتجاه فكري له سماته وملامحه التي يتميز بها عن غيره من الاتجاهات الفكرية الأخرى في ساحة الفكر الإسلامي، ومن أبرز هذه الملامح الجمع بين الثقافة والعلم، بحيث ظهر فيه أصحاب هذا المسلك بأنهم مثقفون من جهة، وعلماء من جهة أخرى. وبفضل هذا التميز اكتسبت هذه الإسهامات الفكرية أهمية في ساحة الفكر الإسلامي، والمعرفة الإسلامية بصورة عامة؛ لأنها سدت فراغا في بنية الثقافة الإسلامية، وبلورت مسارا للتواصل والتفاعل مع حركة العلم، وهذا ما كان ينقص فعلا المعرفة الإسلامية عند المسلمين المعاصرين، ويشكل علامة ضعف وقصور فيها. وغالبا ما كان لمثل هؤلاء الذين يجمعون بتميز بين العلم والثقافة، لمسات مميزة، وتأثيرات خاصة في مسلكيات الثقافات التي ينتمون إليها؛ لأن العلم تكون له تموجات مختلفة حين يتصل بالثقافة، وهكذا الثقافة تكون لها تموجات مختلفة حين تتصل بالعلم. وفي تاريخ الثقافة الإسلامية، وجدنا مثل هذه اللمسات المميزة عند أولئك العلماء الذين اشتغلوا بالفلسفة والمنطق والفقه وباقي العلوم والمعارف الإسلامية الأخرى، ويبرز من هؤلاء الذين ما زال العالم يتذكرهم إلى هذا اليوم، الكندي الذي جمع بين الرياضيات والفلسفة، وابن سينا الذي جمع بين الطب والفلسفة، وابن رشد الذي جمع بين الطب والفلسفة والفقه، والخوارزمي الذي جمع بين الرياضيات والفقه، والبيروني الذي جمع بين الرياضيات والجغرافيا ومقارنة الأديان، إلى جانب آخرين أيضا عرفتهم الثقافة الإسلامية في عصور ازدهارها. كما وجدنا مثل هذه اللمسات المميزة في تاريخ الثقافة الأوروبية، وفي عصورها المتعاقبة، من الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في القرن السابع عشر، الذي جمع بين الرياضيات والفلسفة، إلى الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل في القرن العشرين، الذي جمع كذلك بين الرياضيات والفلسفة، وهناك قائمة كبيرة من أمثال هؤلاء في تاريخ الثقافة الأوروبية. ولو تتبعنا هذه الظاهرة لوجدنا أثرها يمتد في معظم إن لم يكن في جميع تاريخ الثقافات الإنسانية القديمة والحديثة، في الشرق والغرب، وذلك لفاعلية التقاء الثقافة والعلم. ويبرز من هؤلاء اليوم في المجال الإسلامي العالم المصري المتخصص في الجيولوجيا الدكتور زغلول النجار الذي اكتسب شهرة واسعة في السنوات الأخيرة، وذلك حين اقترب من الشأن الثقافي ووظف خبرته العلمية الرفيعة في هذا الشأن. ومن هؤلاء أيضا العالم الإيراني الدكتور مهدي كلشني أستاذ الفيزياء الحاصل على جائزة تمبلتون في مجال دراسات العلم والدين، واقترب من الشأن الثقافي عبر المؤلفات الفكرية التي أصدرها، ومنها كتاب (القرآن ومعرفة الطبيعة)، الذي نال عليه جائزة تقديرية في إيران، وكتاب (من العلم العلماني إلى العلم الديني) الصادر سنة 1998، وكتاب (النظريات الفلسفية للفيزيائيين المعاصرين).. ومن هؤلاء كذلك العالم الهندي الدكتور وقار أحمد حسيني مؤسس ورئيس معهد العلوم والتقنية والتنمية في كاليفورنيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وسبق أن عمل مستشارا دوليا لبرنامج الأممالمتحدة لحماية البيئة، ومستشارا في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، ومركز الأممالمتحدة للعلوم والتكنولوجيا والتطوير، ونشر العديد من المؤلفات الفكرية منها كتاب (السياسات الثقافية والعلوم الإسلامية) صدر سنة 1986م، وكتاب (القرآن الكريم والعلوم الفلكية) صدر سنة 1996م، وكتاب (الفكر الإسلامي ونهضة الثقافة التقنية الإسلامية) صدر سنة 1997م. إلى جانب علماء آخرين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة