انطلاق معرض فرص الاستثمار في النقل التجاري والمواصلات    رخصة تخزين لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية    عبدالعزيز بن سعد يدشن مركز التميز لإنتاج السلمون بحائل    مذكرة تفاهم سعودية أسترالية في مجال المراجعة    بوتين يعتذر عن حادث تحطم الطائرة الأذربيجانية    مستشار عسكري مصري ل«عكاظ»: بناء الجيش السوري الخطوة الأولى لمجابهة التحديات    الأخضر السعودي يتغلّب على العراق بثلاثية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    مدرب الأخضر رينارد: تحقيق لقب خليجي 26 هو هدفنا الرئيسي    اليمن يحقق فوزاً تاريخياً على البحرين في خليجي 26    امكانية تعديل مواعيد نصف نهائي كأس الخليج    عسير: القبض على 6 مخالفين لنظام الحدود لتهريبهم 210 كيلوغرامات من «القات»    العلا تستضيف بولو الصحراء    30 فنانا من 23 دولة بملتقى طويق الدولي للنحت 2025    التعامل مع المرحلة الانتقالية في سورية    بناء الأسرة ودور مراكز الرعاية الصحية الأولية    معرض الكتاب بجدة كنت هناك    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تضليل.. وثقافة شعبية!!

قال أبو عبدالرحمن: بقى من المداخلة مع الأساتذة الفضلاء من كنانة الله في أرضه ما هو حول عباس محمود العقاد رحمه الله تعالى، وهو أمر يطول جدًا، وسأتناول بحول الله مداخلاتهم فقرةً فقرة.. ومع أني سأطيل النفس بما يليق بزمن المواجهة بدون إملال؛ فإنني رهن الإشارة إذا أرادوا مني الإفاضة في مناسبةٍ أخرى ونشاطٍ آخر بعد الفراغ من مواجهة المواجهة إن شاء الله؛ فكل تبجيلي ونقدي لأعمال العقاد مستحضرٌ لديَّ في فيش (قصاصات)، أو بتأشيرات على بعض صفحات كتبه، ولا ألوم الأخت الفاضلة عبير عامر العقاد في غضبها من مواجهتي؛ فهذا أمر تؤجر عليه إن شاء الله بعاطفة الأبوة، ومقتضى البِر، ولكنني أحبُّ أن أضع بين المداخلة ثلاثة أمور مهمة:
أولها: أن العقاد رحمه الله لو كان أميًا عاميًا لم يحق لي ولا لغيري أن يتعرض له، ولكنه رحمه الله أنتج إنتاجًا غزيرًا، وظلت بصماته في أجيال المثقفين واضحة؛ فأصبح تراثه ملكًا للأجيال كغيره من حملة القلم، وأصبح ربط إنتاجه بسيرة حياته أمرًا ضروريًا؛ فهذه هي حفرة الأعراض التي أُكرِهَ علماء المسلمين على الوقوف عليها براءةً لذمتهم، واحتياطًا لدينهم وتراثهم؛ فصنَّفوهم بمصطلحات كالعدالة والصدق والكذب واليقظة والغفلة والعلم والتخرُّص..إلخ.
وثانيها: أن النهضة العربية الحديثة بدأت بهيضة نابليون على الشرق الأوسط عام 1803م، وبِعْثاتِ محمد علي لشباب مصر للدراسة في الخارج، وكان لمصر الريادة على وجه الإجمال في العالم العربي والإسلامي؛ فاستقرت ثمار هذه النهضة بسلبياتها وإيجابياتها والسلبيات أكثر على ثلاثة أصناف من حملة القلم:
الصنف الأول: العلماء ذوو التخصص في فن أو أكثر من إرثنا الإسلامي وتراثنا العربي، وكان إشرافهم على ما عند غير أمتنا من الأمم بقدر الحاجة، سواء أكانوا يجيدون لغة أخرى أو أكثر، أم كانوا أشرفوا على ذلك بالترجمة؛ فهؤلاء علماء بحق في تخصصهم كالعلماء في أروقة الأزهر، وأعضاء المجمع اللغوي، وهم غير حواة للفكر النظري الخواجي في النظام والإدارة والتشريع والألسنيات والتاريخ والآداب، بل يحاكمون من منطلق دينهم، ويأخذون الميزة ويطرحون المجمل.. والاختلاف معهم هو الاختلاف بين أهل القبلة فروعًا وعقيدة، ومن نماذجهم الشيخ محمد أبوزهرة في علوم الشريعة، وعبدالرزاق السنهوري في القانون والشريعة، وآل شاكر، وحامد الفقي رحمهم الله تعالى جميعًا.. والمثال شارح لا حاصر، وهؤلاء لا يكاد يعرفهم إلا أهل التخصص في فنهم، وكتبهم هي المراجع المعتدُّ بها لدى الباحثين الجادِّين اليوم، وهم مشغولون بعلمهم عن الانتشار والذيوع في الجرائد ووسائل الإعلام إلا أن يُوجَدَ مَن يسعى إليهم سعيًا حثيثًا.
والصنف الثاني: ذوو تخصُّص في المعارف الغربية النظرية كالفلسفة الحديثة وعلم النفس وعلم الاجتماع، ومنهم ذوو التخصص في علم يُحقِّق القوة، ولكنهم أندر من الكبريت الأحمر؛ وإنما وُجِد ذوو تخصص في ضروريات الحياة كالطب والهندسة، وذوو تخصُّص مُغْرِق في المتعة كالموسيقى والأزياء.. ومن تخصص في علمٍ وهو نواة تخصُّصٍ يُحقِّق القوة كالفيزياء والكيمياء فإن بلاده تستقبله بتبجيل، ولكنه لا يجد مجالًا لعمله؛ فيقدَّر في منصبٍ عالٍ في غير مجال تخصُّصه نظريًا؛ لفقدان معامل التجريب ومؤسسات التصنيع، وهذا من أسباب هجرة العقول العربية.. حتى في العلوم التي تحقِّق ضرورة كالطب يأتي الطبيب بخبرته، ولا تحقق له دولته أدواته من المبضع والسماعة إلى ما فوق ذلك من المعدَّات المعقَّدة إلا بالتوريد؛ لأننا قد نقدر على صُنع إبرة !!.. وبهذه الأسباب كانت استفادتنا من علوم الخواجات في النطريات التي أُتخمنا منها، ثم ازدادت كُرُباتٌ بالتضليل والفضول، وفي العمليات أُتخمنا بمثل آلات الموسيقى والتجميل والأزياء.. وأهل التخصص في النظريات من الفكر الغربي تاريخًا ولغة وأدبًا وفلسفة وعلم إنسانيات كعلم النفس يدَّعي التحليل العلمي؛ وإذا صدقت النية فالتحليل العلمي ظنيٌّ في الأكثر.. من أهل التخصص هؤلاء في هذه الأمور علماء فحول ذوو عبقرية أكتفي منهم بأعلام في الفكر الفلسفي الخواجي نضجت طلائعهم أخيرًا بمثل: الدكتور الشنطي وعبدالرحمن بدوي وزكي نجيب محمود وإمام عبدالفتاح إمام وهو كاسمه إمام في فلسفة هيجل، ولكن هؤلاء الفضلاء في تصوراتهم وأحكامهم (ولا سيما في الإلهيات ونظرية المعرفة) محصورون في دائرة الفكر الخواجي لا يخرجون عنه؛ فالدكتور عبدالرحمن بدوي كتب موسوعته الفلسفية مُعرِّفًا من خلال إشرافه على فلسفات القوم من لغة بعضهم مباشرة، ومن الترجمات الخواجية فيما لا يحسنه من اللغات، وهكذا كتب عن مثل الفلسفة المثالية وبعض فلاسفة الألمان.. وكتب مُعَرِّفًا ومنظِّرًا ومحاكمًا للفلسفة الوجودية التي احتواها، ومحاكمته في دائرة الترجيح بين فلسفات الوجوديين، وفي الدفاع عن الوجودية صارت محاكمته في دائرة مذاهب الفلسفة الخواجية المتصارعة.. وقل مثل ذلك عن بقية هذا الطراز الرفيع.. وهم أفادوا أبناء جيلهم نقلًا بالتعريف والترجمة والشروح والتمييز بين المذاهب الفلسفية تصورًا وحكمًا.. ولكن مع هذا ظلوا مجرد حواة لسببين جوهريين:
أولهما: أن إشرافهم على إرثهم الشرعي وتراثهم العربي: إما مصدر لا يعنيهم، وإما مصدر لا يملكون التخصص فيه، وإما مصدر أشرفوا عليه إشراف مثقف على عجل.. وهذا قصور فظيع؛ لأن مجال تخصصهم نظري، واستمداده من العلم المادي إما تضليلي، وإما ثقافة شعبية.. ولا بد من الرجوع إلى أهل التخصص من العلماء في الماديات لمعرفة ما هو قطعي عندهم، ثم إن هذه النظريات لا تَكتسب صفة العصمة حقًَّا وخيرًا وجمالًا؛ لكونها نتجت عن ذوي علم مادي حقَّق اكتشافات من قوانين الكون كانت مجهولة، واخترعوا وصنَّعوا؛ بل مرجعها بصفتها نظريات إلى العقل بضروراته وقيوده وتسلسله الرياضي الذي فطره الله عليه؛ ليعرف من كون الله ما أوصلته إليه نوافذ الحس، وبراهينه من الأنفس والآفاق.. ونتاج العلم المادي هو أيضًا مما هو في أفقنا الأدبي من سطح الأرض؛ فإهمال مرجعية ديننا وتراثنا وثقافتنا في أمر نملك أصوله هزيمة شنعاء، وهضم للقلب حقه من اللذة بإيمانه، والبهجة بسلوكه الإيماني قبل إنحنائه وموته لم يؤد عمرة ولا حجًا، وربما كان ملحدًا، وربما كان غير ملتزم.
وثانيهما: أن الانبهار بجدل نظري صدر عن ذي علم مادي ذي منجزات نافعة، ومنجزات أكسبتهم مَنَعةً وسيطرة على الآخرين بالقوة.. هذا الانبهار أورثهم نسيان أن هذه النظريات شيء، والذي أكسبهم منعة وقوة وسيطرة شيء آخر، وأن هؤلاء الحواة وكذلك أمتهم مفلسون من الأمر الأخير، وأن ما هم فيه من علم نظري منه ما هو عن حسن نية وتحرٍّ للحق ولكن في دائرة التصوُّر المِلِّي في بلادهم، وأغلبه على ديانة البروتستانت بعد هزيمة الكاثوليكية والأرثوذكسية، ومن المعلوم أن البروتستانتية تحويرٌ قام به يهوديان هما لوثر وكالڤن، ثم تحولت إلى ديانةٍ يهوديةٍ عملية عند انقلاب الأحديين إلى سبتيين يجعلون العهد القديم عمدتهم والعهد الجديد مصدرًا يستأنس به.. ولا ريب أن أهل الكتاب إذا صدقوا مع أنفسهم ودينهم ولو بعد تحريفهم وتبديلهم أقرب إلينا في البحث عن الحقيقة؛ لأن بيننا وبينهم أمورًا مشتركة من ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي الأخلاق والإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى خالقًا مهيمنًا مدبِّرًا، وعندهم من قِسِّيسِيهِم أمثال: أوغسطين وتوماس الأكويني وغيرهما ممن كانوا حربًا شعواء على إلحاد الفكر الرشدي اللاتيني، وقد حاولوا إقامة البراهين بالصفة التي أسلفتها، ولكن المسلمين على التحميد المطلق للرب سبحانه وتعالى في كماله، وعلى التقديس المطلق للرب سبحانه وتعالى بتنزيهه عن النقص.. أما هم بعد التحريف، ونسخ دينهم فهم مُتَعَبِّدون لله بغير ما شرع لو كان باقيًا لم يُبَدَّل؛ فكيف وقد دخله التبديل والتحريف في العبادة وفيما يقدح في الإيمان بالرب من ناحية الكمال والتنزُّه عن النقص.. على الرغم من هذا كله فالتوصُّل إلى إرث الأنبياء المشترك ولو في الملَّة أسهل وأيسر ممن يتعمَّد التضليل.. وهذا الإرث المشترك سيفرض علينا وعليهم التحرُّر من الإلحاد والإباحية والجزم بتحريمهما؛ ومن هاتين الناحيتين يعلمون أن تاريخ المسلمين منذ مجده وانتصاره إلى وَهَنه آخر الدولة العثمانية لم يُسوِّق إلحادًا ولا إباحية للأمم الأخرى، بل كان في امتدادِ همومِه الإصلاحية يقاوم ما طرأ على بلاده من زندقةٍ ومجونٍ أدخلهما الشعوبيون من الأمم الأخرى، وسيرون من واقع بلدانهم ارتفاع الحسبة نهائيًا إلا ما يتعلق بحماية ما هو غير قانوني كبوليس الآداب، وسيرون أن الإلحاد والإباحية بفحشهما الداعر ومنهكات الروح والجسد من المخدرات والخمور، وتوظيف منجزات العلم المادي التي أقدرهم الله عليها لغير ما شرعه الله من التسلُّط واغتصاب موارد الأمم والشعوب الضعيفة بأبخس الأثمان، وجعلهم هذه الشعوب سوقًا لمنتجاتهم بأغلى الأثمان، وهكذا أسلحة الدمار؛ فهو ضرر تصيب آثاره من لا ذنب له أو لا قصد للباغي في الاعتداء عليه، بل يرون الاعتداء عمدًا من بلدانهم على الشعوب الضعيفة الشرقية بجعلها مدفنة لإشعاعاتهم النووية وفضلاتهم الكيميائية التي أحدثت ما لا يحصيه العد ولم يُعرف في التاريخ من الأمراض والأوبئة.. وسيرون عجبًا آخر وهو أن سيرة التاريخ الإسلامي في مثاليته ونقصه لا يقوم على جمعياتٍ سرِّيَّة، ولا على تضليلٍ للأمم بإظهار شيء وإخفاء آخر، بل سيرتهم ومقاصدهم كالأذان عندهم يُلقى بصوتٍ جهوريٍّ رفيعٍ علنًا، وسيرون في بلادهم عكس ذلك من جمعيات التضليل السرية التي أنتجتها الصهيونية العالمية؛ فكانت الصنوف الماسونية تتجدَّد بين حينٍ وآخر بأسماء أُخَر، وكانت التصفيات الجسدية تتجدَّد في أكثر من مافيا وموساد، وهي جيوش فتَّاكة داخل دولٍ ذات جيوشٍ آمنة، وكلُّ هذه الظواهر تجعل القوم أكثر فهمًا لنزاهة المسلمين سواءً في عهد الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم أو في عهود ضعفٍ بشريٍّ طارئة دخلها أوشاب من الجور ونقصٍ في السيرة، ولكنهم على التحرُّج في ضمائرهم، وعلى التضافر مع شعوبهم التي هي على علنٍ إسلاميٍّ معصوم.. هذا فيما يتعلق بالفكر النظري الصادر عن ذوي الأديان إذا صلُحت النية؛ وبما أن مثالي عن الفكر الفسلفي فسترون أن ارتداد الفكر الفلسفي عن إيمان المِلِّيِّين استفحل (ولم أقل: بدأ) من عهد نيشه الذي أعلن موت الإله تعالى الله عما يقول الكافرون علوًَّا كبيرًا؛ فكانت كلُّ الفلسفات المعاصرة على كثرة ما بينها من فروق ومصطلحات وصراعٍ مذهبي في نوعية الاحتجاج.. كلها تصبُّ في مرحاضٍ واحد، هو إنكار الرب سبحانه أو تنقُّصه أو محاكمته.. هذا في الإلهيات، وتقوم على خبالِ التشكيك والسفسطة في المعرفة؛ فالعقل حجةٌ عند الفيلسوف المضلِّل بصيغة اسم الفاعل، وهو غير حجةٍ ولا موصِّل فيما يعارض فلسفته، وهكذا نتائج العلم المادي، وهو في السلوك ركنٌ ركين للإباحية والاستئناس بها واعتبارها أمرًا عاديًا مشروعًا؛ لأنها جعلت غرائز الشهوات والشبهات حقًا طبيعيًا للبشر على هذه الأرض، وتجاهلت دور الأديان والعقول وتربيات المصلحين في الموازنة بين الغرائز؛ فصدر عن ذلك القانون الطبيعي الذي هو حمايةٌ لتنفيذ الحق الطبيعي وحسب، وإقامة الدستور والتنظيم والإدارة عليه.. هكذا فَلْسَفَ نظام الدولة (جان جاك روسو) في كتابه العقد الاجتماعي وهو مطبوع باللغة العربية، وهكذا تجد فلسفة الحق الطبيعي الذي بُنى عليه القانون الطبيعي في رسالة السياسة واللاهوت لاسبينوزا اليهودي، وهو كذلك مترجمٌ ومقدَّم له بقلم علمانيٍّ من الحواة الذين أسلفت ذكرهم، ووسائلي اللغوية قاصرة عن الاطِّلاع عما في (التِّنِّين)؛ لأنه لم يترجم وإن كنتُ اطَّلعتُ على آراء مقتضبة في سياق الفلسفة البشرية المترجمة عن أمثال (لايبنتز)، وكلها مِن بالوعةٍ واحدة.. ومثل ذلك الاحتواء لميتافيزيقا التاريخ عن تقدير الأعمار بملايين السنين، والإنسان البدائي متخطين أن أول البشر نبي كريم، وأن البدائية في كل عصر.. ودعوى السوبرمان (الإنسان الكامل)، وكل ذلك ادِّعاء كاذب على العلم المادي الحديث، ودعوى هيجل أن التاريخ في سُلَّم تصاعدي.. وهكذا هذر الألسنيات وهي في نفسها علم أصيل، ولكن الاحتواء جرَّ دعاوَى وفضولًا وانبهارًا بتفسير الواضحات بالمعقَّدات، والافتراء على دلالات اللغات العالمية، واجترار بعض منظري الآداب أشياء من هذه الأعباء لنظرية الأدب، وماهية الأدب بعيدة عن ذلك إلا ما كان إثراء للدلالة القاموسية مشروطًا بقيم الوجود الثلاث التي أكثرت الحديث عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.