الرئيس الأمريكي باراك أوباما أشاع الأمل لدى الشعب الأمريكي بل وشعوب العالم قاطبة ومن بينها الشعوب العربية، من خلال تبنيه لشعار التغيير والتجديد (داخليا وخارجيا) في السياسات والمواقف الأمريكية السابقة، سواء إبان حملته الانتخابية، أوغداة وصوله إلى البيت الأبيض، وخصوصا ما يتعلق منها بسياسات ومواقف إدارة الرئيس جورج بوش الابن، التي أوصلت السمعة والمكانة الأمريكية العالمية، على المستويات السياسية والاقتصادية والمعنوية والأخلاقية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. وضمن هذا السياق أعلن أوباما مرارا، وفي مناسبات عدة، آخرها خطابه الشهير في جامعة القاهرة في شهر مايو الماضي، عن التزامه الجاد بإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، وتبنيه لخيار قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة إلى جانب إسرائيل، كما أعلن معارضته الشديدة والصريحة لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والجزء العربي من القدس (الشرقية)، ولتحقيق هذا الهدف جاء تعيينه في الأيام الأولى لرئاسته للدبلوماسي المخضرم جورج ميتشيل مبعوثا رئاسيا خاصا، وهوالمعروف بحنكته وبمواقفه المعتدلة ومعرفته وخبرته الجيدة لتعقيدات القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي/العربي، كما هو وراء صياغة «تقرير ميتشل» الصادر في عام 2001. ومنذ ذلك الحين شهدت العواصم العربية إلى جانب إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة جولات مكوكية لجورج ميتشل، ومسؤولين أمريكيين كبار آخرين، من بينهم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، وذلك بهدف إحياء وتحريك عملية السلام الميتة. ومع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفي استجابة للضغوط الأمريكية أعلن في منتصف شهر يونيو الماضي موافقته على مبدأ قيام الدولة الفلسطينية، غير أنه أرفقها بوضع شروط تعجيزية لقيام الدولة الفلسطينية، مما يجعلها بلا معنى، ومن بينها التأكيد على يهودية إسرائيل في تجاهل تام لوجود مليون وربع عربي فلسطيني يعيشون فيها مما يحمل معه خطر تعريضهم للترحيل والطرد من وطنهم. كما اشترط أن تكون الدولة الفلسطينية المقترحة دولة منزوعة السلاح، ومقطعة الأوصال بالكتل الاستيطانية الضخمة (أكثر من نصف مليون مستوطن يهودي على أرض مساحتها 191 كيلومترا) وبالجدار العازل (بلغ الطول الكلي للجدار الحالي وما يخط له مستقبلا هو 767.5 كم) في الضفة الغربية ومدينة القدسالشرقية، ورفضه أي مساس بكون القدس الموحدة ستظل عاصمة أبدية لإسرائيل، أو مناقشة موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين. هذه الشروط الإسرائيلية التي طرحها نتنياهو في خطابه ليست جديدة بل هي تكرار وتأكيد لمواقف إسرائيل التقليدية المعلنة، بغض النظر عن طبيعة حكوماتها (اليسارية أواليمينية) المتعاقبة. الجديد في خطاب نتنياهو هو تجاهله الصريح، لمعارضة مطالب الرئيس باراك أوباما لوقف سياسة التوسع والتمدد الاستيطاني اليهودي في المناطق المحتلة، وذلك تحت مبرر مراعاة التوسع الطبيعي للسكان اليهود وتحسين البنية التحتية للمستوطنات.. بهدف إحياء مفاوضات السلام المجمدة قام المبعوث الأمريكي بجولة أخيرا في المنطقة شملت سورية وإسرائيل ومصر والبحرين وقال ميتشل أثناء جولته: إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما «طلب من كل الأطراف المعنية اتخاذ الإجراءات التي تتيح استئنافا سريعا للمفاوضات من أجل التوصل إلى السلام الشامل الذي نصبو إليه»، وأضاف ميتشل: إن على إسرائيل أن تعالج «قضايا صعبة مثل الاستيطان والبؤر الاستيطانية» بينما على الفلسطينيين أن «يتخذوا موقفا ضد التحريض». وكان ميتشل قد تجاهل المبادرة العربية للسلام التي ربطت التطبيع والسلام مقابل استعادة الأراضي والحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة حين طالب العرب بمزيد من التنازلات، حيث دعا في أعقاب مباحثاته مع الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة، الدول العربية إلى اتخاذ «خطوات حقيقية نحو التطبيع». مضيفا: «نحن لا نطالب أي أحد بتطبيع كامل في المرحلة الحالية وندرك أن ذلك سيأتي في مراحل لاحقة في طريق السلام». واعتبر أنه من الضروري لكل طرف أن يتحمل مسؤولية إظهار مشاركته الواضحة في عملية السلام. وردا على المطالب الأمريكية بوقف الاستيطان قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الذي التقى جورج ميتشل الأسبوع الماضي: «من المبكر للغاية القول ما إذا كانت إسرائيل قد تعلن تجميدا مؤقتا في بناء المستوطنات في الضفة الغربية». هذا وقد خصصت الموازنة الإسرائيلية الجديدة 250 مليون دولار لمستوطنات الضفة الغربية بالرغم من ضغوط الرئيس الأمريكي من أجل تجميد الاستيطان. وضمن هذا السياق رفضت إسرائيل دعوة منسق السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي خافيير سولانا للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية إذا أخفقت إسرائيل والفلسطينيون في التوصل لاتفاق سلام بعد مدى زمني محدد، حيث رد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إن «اتفاق السلام يتحقق فقط من خلال المفاوضات المباشرة ولا يمكن فرضه». وأصدرت الخارجية الإسرائيلية بيانا انتقد اقتراحات سولانا وجاء فيه: «إن قضايا الخلاف مثل الاستيطان يجب أن تحل من خلال التفاوض بين الأطراف المعنية». وأضاف البيان: «إن أية دعوة لوضع جدول زمني للمفاوضات تضر بفرص التوصل إلى اتفاق ثنائي». إزاء الصلف والتعنت الإسرائيلي إزاء تنفيذ القرارات الدولية (242، 338، 194) وتجاهل المبادرة العربية للسلام، والالتزام بمضمون خارطة الطريق (2003) التي تمت تحت الرعاية الأمريكية، والتي تضمنت تجميد توسيع الاستيطان. التساؤل هنا: إلى ماذا أفضت الجهود الأمريكية لإحياء وتحريك عملية السلام في المنطقة، من نتائج ملموسة على الأرض، وذلك بعد مضي أكثر من ستة أشهر على تولي باراك أوباما دفة الرئاسة الأمريكية، تخللتها زيارات وجولات مكوكية لمسؤولين أمريكيين على أعلى مستوى؟، أوليست الشعوب العربية معذورة حين تصاب بالإحباط، وتتعمق شكوكها في جدوى عملية السلام برمتها، في ظل استمرار التعنت والصلف الإسرائيلي، وغياب أو ضعف الدور الأمريكي الضاغط باتجاه تحقيق ما طرحه أوباما حول خيار الدولتين، أوحتى في موضوع المستوطنات، حيث الأولوية لا تزال للتحالف الإستراتيجي الأمريكي/الإسرائيلي، والاستمرار في تقديم الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، وبدون شروط، وبغض النظر، عن وجود بعض الاعتراضات والخلافات والمواقف المتباينة بينهما إزاء بعض القضايا؟، ألم يحن الوقت للتمييز والتمايز بين ما هوعلاقة خاصة ومصلحة أمريكية/إسرائيلية مشتركة، وبين المواقف والسياسات والمصالح الإسرائيلية الذاتية الصرفة، ومع ما يمكن أن تحمل في طياتها وفي نتائجها من انعكاسات سلبية وضرر بالغ لمصالح ومصداقية الولاياتالمتحدة وحلفائها وأصدقائها في المنطقة؟. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة