ألقى الرئيس الفرنسي الأسبق شارلز ديجول كلمة خلال زيارته لكندا في عام 1967 وتحديداً في مدينة مونتريال بمقاطعة كوبيك الناطقة بالفرنسية، وجاء في هذه الكلمة جملة قال فيها «عاشت كوبيك حرة» ليشعل فتيل حركة استقلالية ومطالب انفصالية لهذا الإقليم لا تزال تعاني منها كندا حتى اليوم. ويبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب سيفعل نفس الشيء، وإن كان على نطاق أوسع بكثير، ليفتح باب انضمام كندا كولاية جديدة للولايات المتحدةالأمريكية. وبالرغم من كون الطرح «الترمبي» المتعلق بكندا يبدو ضرباً من الخيال والجنون إلا أن هناك أسباباً وجيهة بحسب المؤيدين لذلك تستدعي الاهتمام بالاقتراح، أهم تلك الأسباب هي اقتصادية، فكندا تصدر 90% من مواردها الطبيعية إلى سوق واحد وهو أمريكاوالولاياتالمتحدةالأمريكية عملياً هي جيش الدفاع عن كندا بالإضافة إلى التكامل الاجتماعي والثقافي الكبير. وليست هذه هي الخريطة التوسعية المقترحة من قبل دونالد ترمب ولكنه يقترح أيضاً ضم منطقة جرين لاند التابعة للدنمارك والتي لديها نوع من الحكم الذاتي لسكانها البالغ عددهم 45 ألف نسمة وترمب يرى أن ضم المنطقة مسألة حيوية جداً بالنسبة للأمن القومي الأمريكي لأن الصينوروسيا لديهما أطماع هائلة فيها، ومبدئياً لم تمانع الدنمارك ولا سلطة جرين لاند هذا الاقتراح. ولم تتوقف شهية التوسع الجغرافي لدى دونالد ترمب عند هذا الحد ولكنها امتدت إلى قناة بنما والتي بنتها قديماً الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي اليوم بحسب ترمب تخشى من تصاعد النفوذ الصيني عليها وتسعى لاستعادة السيطرة الأمريكية عليها وذلك بالرغم من المعارضة الشديدة جداً من حكومة بنما نفسها. وليست الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها التي تسعى إلى تغيير الجغرافيا وإعادة رسم الخرائط، ولكن إسرائيل، والتي أسّست على نهج تغيير الجغرافيا المستمر تارة بحجة الوعد الإلهي في التوراة وتارة بحجة الأمن والدفاع، تسعى هي الأخرى لتكريس أمر واقع جغرافي جديد على الأرض. فبعد اقتطاع إسرائيل لمساحات هائلة من أراضي الضفة الغربية الفلسطينية لصالح مليشيات إرهابية تابعة لمستوطنين من سكانها ها هي اليوم تسعى لاقتطاع مناطق من لبنان وسورية تحت ذريعة الأمن القومي الاستراتيجي ولا تتردد في نشر خرائط جغرافية مريبة وخبيثة تظهر توسعاً مهولاً يضم أراضي كبيرة من دول عربية مختلفة. وطبعاً لا يمكن إغفال التغيير المنتظر في خرائط أوكرانياوروسيا والتي على ما يبدو ستقضي وساطة دونالد ترمب المنتظرة بوقف إطلاق النار بينهما والاعتراف بالواقع الجديد والذي يتضمن ضم بعض المناطق الأوكرانية لصالح روسيا. يقول الكاتب الأمريكي المشهور تيم مارشال صاحب كتاب «سجناء الجغرافيا» إن اتفاقية سايكس بيكو تتحطم وإعادتها مرة أخرى حتى وإن كان بشكل جديد ومختلف سيكون مكلفاً ودموياً للغاية. زمن تغيير الجغرافيا وإعادة رسم الخرائط قد عاد.