أحسن العرب صنعاً باهتمامهم بسورية في وقت مبكر بعد زوال حكم بشار الأسد الذي أصبحت فيه مزرعة للأجانب من دول وتنظيمات، وما زالت هناك أطماع وخطط ونوايا تتشكل، أو ربما أصبحت جاهزة تنتظر التنفيذ إذا لم يبادر المحيط العربي بحماية سورية وسد المنافذ والثغرات في هذه المرحلة الحساسة. مشكلة العرب أنهم في كثير من الأحيان لا يلتفتون إلى مشاكلهم إلا بعد فوات الأوان، عندما يكون الآخرون قد سبقوهم في ملء الفراغ في الساحات المضطربة والرخوة، وعندما يحدث ذلك تصبح المشاكل أكثر تعقيداً وحلولها صعبة جداً وأثمانها باهظة، سياسياً وأمنياً واقتصادياً. يوم أمس اجتمع وزراء خارجية ثماني دول عربية في مدينة العقبة الأردنية (المملكة، مصر، الأردن، البحرين، الإمارات، قطر، العراق، لبنان)؛ لغرض «نقاش وضع سورية وبناء طريق لتأسيس الدولة السورية والانتقال السلمي، وموقف عربي موحد لحمايتها من التدخلات الخارجية، والتأكيد على أن الجولان أرض عربية». وفي التوقيت نفسه سوف تجتمع هذه الكتلة العربية مع وزير الخارجية الأمريكي ومبعوث الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي لسورية ووزير الخارجية التركي؛ لبحث ملفات سياسية وأمنية. هذه خطوة مهمة جداً بشأن سورية الجديدة التي يجب حمايتها مستقبلاً من إعادة العبث بها والتعدي على سيادة أرضها وأمنها، وليس خافياً أن إيران بدأت الانسحاب بمرارة وتراقب المشهد لاقتناص فرصة قادمة لإعادة تموضعها، روسيا بدأت يوم أمس بنقل عتادها الكثيف من قواعدها، لكن سورية ستظل هدفاً استراتيجياً لها، تركيا ما زالت شهيتها مفتوحة في شمال سورية وزادت في هذه الفترة بعد دورها الكبير في تجهيز ودعم جبهة تحرير الشام، وتصريحات بعض مسؤوليها قديماً وحديثاً، تلميحاً وتصريحاً، بخصوص بسط النفوذ في شمال سورية، وهناك الأخطر من هؤلاء جميعاً، إسرائيل، التي انقضّت على سورية سريعاً ودمرت جيشها وتوغلت في أراضيها واستولت على جميع أرض الجولان، وسوف تكون خطراً وجودياً على استقرار سورية إذا لم يتم لجمها من الآن، وهنا نحن نتحدث عن أمريكا ودورها، لا سيما وهي تلهج في تصريحات وزير خارجيتها بالسلام والاستقرار من أجل سورية. لا بد أن يكون الموقف العربي صلباً في وجه محاولات التدخل الأجنبي في شؤون سورية الداخلية أيّاً كان نوع التدخل وأيّاً كان مصدره. علينا أن نتعلم من دروس الماضي ومآسيه.