قبل كل ما سأقول هُنا، أود الإشارة إلى أني أكتب لكم هذا المقال وأنا (متربعة) فوق مكتبي، فلا يهم أين يجلس كاتب المقال حين يكتب، المهم ماذا سوف يكتب؟! وبعد، نحاول أن ندخل في الموضوع بلا مقدمات، ففي عالم يتزاحم فيه كل شيء، من الأفكار للمشاغل والهموم، يُطلب منك أن تكتب مقالاً، ولقد مضت أكثر من نصف ساعة وأنا أحاول فيها كتابة حرف واحد دون جدوى. فللكتابة طقوس معينة لا يفهمها ويمارسها إلا أصحاب القلم، والبعض يظن أن كتابة المقالات أمر في غاية السهولة والبساطة وكأنك بمجرد ما تمسك بقلمك ستهطل عليك الأفكار والكلمات والجُمل وتتحول «بقدرة قادر» إلى تحفة أدبية. الكتابة عن الكتابة أشبه بمن يتحدث عن فنون الطبخ دون أن يعرف كيف يسلق (بيضة)، وبالمناسبة كم دقيقة تحتاج البيضة لسلقها؟! أغلب القراء يعتقدون أن الكاتب قد كتب مقالته وهو مرتاح ويحتسي القهوة الساخنة ويكتب بسلاسة كما يتصورون، بينما هو في الواقع مثل الطبيب الذي يحضّر لعملية ولادة، قد تكون طبيعية وسهلة وقد تكون «قيصرية». فطقوس الكتابة تختلف من شخص لآخر، بعضها قد يكون منطقياً وبعضها غريب، مثل الكاتب الأمريكي الساخر «مارك توين» الذي كان يرى أن الاستلقاء والراحة في سرير النوم هو الذي يمده بالإلهام أثناء الكتابة، وبيني وبينكم قد حاولت ذات يوم أن أقلده ولكن عينكم ما تشوف إلا النور (سحبتها نومة) لثاني يوم، وعندما استيقظت نسيت أن أكتب مقالاً أساساً! ولكن كان للكاتبة الأمريكية «فرانسين بروز» رأياً مختلفاً، فقد رأت أن الحل الناجح للحد من إلهاء الكاتب وتشتيت أفكاره هو مقابلة الحائط والتحديق فيه. وكان لكاتب (خويّنا) رأي ونظرة مختلفتين مثله تماماً؛ فمن طقوسه قبل الشروع بالكتابة أن يبقى معلقاً «رأساً على عقب» لمدة ساعتين كاملتين وهي كفيلة بمساعدته على الاسترخاء والارتياح وتدفق الأفكار والتركيز بشكل أفضل أثناء الكتابة مثلما يقول، ولهذا غالباً ما يكتب مقالات لا يقرأها أحد. أما عن طقوسي الخاصة، فهي خاصة ولا أستطيع البوح بها! وعلى كل حال، أعتقد أن هذا هو أقصر مقال كتبته على الإطلاق، وباقي المساحة في العامود «للتقبيل بأعلى سعر».