لطالما كانت تكلفة الخدمات الصحية من أهم العوائق التي تواجه القطاع، حيث إنها تختلف عن غيرها من القطاعات، فالتكلفة التأسيسية في حد ذاتها تحتاج لمبالغ طائلة، وحالها كحال التكاليف التشغيلية، وفي كثير من الأحيان تتعثر المنشآت تشغيلياً بسبب أنها استنزفت رؤوس الأموال في التكاليف التأسيسية، فتنشأ مبانٍ ضخمة بطاقات تشغيلية متواضعة، والعكس صحيح. وهنا أود أن أسلّط الضوء على نقطة مهمة، وهي أن القطاع الصحي من أصعب القطاعات ربحية بشكل مباشر، وذلك نظراً للأسباب المذكورة سابقاً، مما أدى إلى أمرين؛ أولاً: هجرة رؤوس الأموال عن الاستثمار في قطاعات صحية نموذجية ومتقدمة لخطورة تعثرها، ثانياً: ارتفاع أسعار الخدمات الصحية لتمكين ربحية المستثمر، وفي المقابل ينعكس ذلك على أسعار التأمين الصحي. ومن النماذج الجيدة التي أعتقد أنها قد تكون نقطة تحول هي إشراك القطاع غير الربحي والمسؤولية المجتمعية في تبني بعض التكاليف العينية، وخاصة التأسيسية، كالمباني والأجهزة الطبية والتجهيزات الأخرى، ونجد أن في أفضل وأغنى مستشفيات العالم الكثير من الأمثلة على ذلك، فيوضع على المباني والأثاث والأجهزة الطبية والمصاعد والكراسي والأجنحة لوحات شكر وعرفان للشخص أو الجهة المتبرعة، مما يمكّن تلك المستشفيات من الاستثمار في تخفيض أسعار الخدمات، مع التركيز على تطوير الجودة ودعم البحث العلمي والابتكار، ولا شك أن ذلك يُصاحب بحوافز أخرى كإعفاءات وتخفيضات ضريبية في بعض الدول. وهنا أثمّن دور الجهات غير الربحية والمساهمة المجتمعية في ملء فجوة التكاليف، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى تفعيل الدور بشكل أكبر وأعم نفعاً، وجزء من المشكلة هي الفجوة بين مؤسسات القطاع الصحي والقطاع الثالث في تحديد الاحتياج، خاصة أن الأمر يعد حديثاً بعض الشيء على القطاع الصحي. ولتفعيل ذلك ينبغي التركيز على التالي: 1- العمل على مستوى وزاري لتفعيل ثقافة دور القطاع غير الربحي والخدمة المجتمعية في القطاع الصحي. 2- دراسة حوافز تتناسب مع الدور المقدم. 3- تحديد آليات لطرح فرص المساهمات -كالإعلان عن الحاجة إلى جهاز أشعة مقطعية بقيمة معينة - من خلال مسار أو برنامج معين بإشراف وزارتي الصحة والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. 4- تفعيل دور تكريم وإطلاق أسماء المتبرعين على كل جزء مساهم به. 5- متابعة وقياس مدى تأثير ذلك على تخفيض أسعار الخدمات والتأمين.