مدّت الجدّة (سمنة) كفّ يدها اليمنى في صدرها؛ لتصيد (القُذّ) الذي اختار موضعاً حساساً من جسمها؛ ليمتص منه بعض الدمّ ليتزود به وقوداً لليوم الطويل. لقطته بأطراف السبابة والإبهام مرددة (صِدْتك يا مقطوع العِفا)، ورغبة في مضاعفة الانتقام منه أخرجته من دلعة الثوب، لتفرصه بتشفٍّ، وترى كمية الدم التي دفع حياته ثمناً لها، وبمرور يدها على رقبتها، افتقدت مفتاحها، الذي نامت وهو معلّق في رقبتها بخيط مطاطي، فنغزت الشيبة (الغاطّ) في سابع نومة، لكنه لم يتحرك، فدحسته بكوعها في ظهره؛ فصاح (أوووه) كسرتِ ظهري، الله يجعلك بالكسر يالضامرة، فعلّقت؛ قم قام الله عليك يا السرّاق؛ وين مفتاحي؟ أخرج الشيبة نصفه العلوي من الكيس، وتناول ثوبه المطوي وراء المسند، فأدخل يديه في أكمامه وأخرج رأسه من الرُقابة، وخرجت زوجته الناقمة من كيس نومهما ونسيت تلبس ثوبها وانفرطت تحنم عليه، أهلك سُرقان؛ وأنت عِرق من جذنه، وين مفتاحي، ردّ عليها كُلي دمنة يا بنت جلّاب الكلاب، أهلي يسوونك ويسون قبيلة ما فيها داني؛ لا تخليني ألعن جدفك، فانتبهت زوجة ابنهما (فاضلة) وردّدت؛ يا الله صباح خير، الناس يصبحون يطلبون ستر الله، وذولي المخاليق يصبّحون يتفاضحون، وقامت وتناولت سروال عمتها، وكرتتها الحمراء، ومدّت بها لها؛ مرددة؛ تلبسي يا عمة واذكري الله، وأدارت ظهرها لكي يُخرج عمها بقيمة عمره من كيس النوم، فجاء طرف سروال الكهلة على خشمه، فنهرها وقال ما بقي عليك إلا تبخريني بريحة سروال المخثرد، فتناولت العصاة، فحدس إنها بتقمعه فخرج من الكيس مسرعاً، وظهر قدام باب الشقيق، مقابلاً بوجهه الباسم شرقة الشمس. افتقدت (فاضلة) ابنها (سَنَدان) ولمحت السحارية، فلاحظت أن غطاها مقشوع للوراء؛ فاقتربت من إذن عمتها، وقالت دخيلك يا عمة تسترينا؟ فنظرت إليها مستفهمة، فقالت سحاريتك غطاها مكشوف، و(سندان) ما له الطارئ، صاحت؛ أعقب يا ضِرْبان البيض، فقبّلت رأسها، وأقسمت لتعوّضها وتقسم العيدية اللي بتجيها من الاخوان والصدقان؛ بينهن قسمة الأخوات، فطلبت منها؛ تلمح وش غدا عليها من سحاريتها، فأخبرتها أن كل شيء مكانه، إلا عُكة السمن. استيقظ (سندان) غبشة ولقط العَكّة، ونزل السفل، ولقي محضن الدجاج مليان بيض، فعاد وأخذ الزنبيل وقام يضع طبقة علف، وطبقة بيض، حتى امتلا، وخرج وخلا البيبان مفتوحة، وفي طرف مسراب الجنّ، لقي المؤذن، هابطاً سوق الخميس، فوق حمارته، فقال تركبني معك يا (ديكان) وفطورك عليّا؟ بغى يردّ عليه، وساعة ما سمع فطورك عليّا؛ سالت ريقته، وجنّب بالحمارة جوار حجيرة بيت الوقف، وقال أركب، فطلب منه؛ يأخذ زنبيل بيض جدته في حضنه، وينتبه لا يتكسر فتفشّله من الله وخلقه، قال المؤذن على رأسي جدتك وبيضها وإنت يا سندان، وأوصاه لا يزفّر ثوبه من وراه بزفر العُكّة، فقال بليت همها لفيتها في عمامتي الكورشيّة. قصد تاجر السمن (قرشان) وعرّفه بنفسه، وباعه عليه بثنتي عشرة ريال، فصبّه في سطول مدهونة، مرصوصة في ركن دكانه، المواجه للخياط بن زهري، وأثناء عصره للعكة نشده بخبث؛ كيف حال جدتك يا ولد؟ فقال تسلّم عليك، فسأله؛ باقي فيها مرقة وإلا نشفت؟ فأجابه؛ انشد جدّي إذا لقيته، وخرج من عنده لسوق الطيور وباع البيض بثلاثة ريال، وما أدخل ريالاته في جيبه، إلا والمؤذن يقطبه بيده مردداً؛ تفاولنا تفاولنا، قبل ما يغلّق علينا فول الثوعي، وتلازموا بالأيدي، وندروا للسوق الأسفل، وبعد الفأل تقضّى سندان لجدته وأمه دخون وحناء، وأخذ أُقّة لحم، وكيلة دخان عثري لجده، وغراز وشار، وبلح، وقهوة شدوية، وحلاوة حلقوم لإخوانه وأخواته، وبقّى في جيبه ريالين، وطلب من المؤذن يصدرون، فجاوبه؛ كيف أصدر وأنا ما قضيت بريال؟ فقال له؛ وش غرّك ما تقضّي؟ قال ما في جيب صاحبك ريال، فمدّ له بريال، واستبقى ريالاً. أعجبت المؤذن شخصية (سندان)، عبّوا مقاضيهم في خُرج الحمارة، وأقسم ليركب بمفرده، فقال؛ بتتعب يا ديكان وأنت تمشي في هذي القيلة، فقال لا تخاف عليّا بطني مليان فول الله يخلف عليك، فنصب ظهره متباهياً بهذا الإطراء؛ وقال في نفسه؛ إن شاء الله إذا كبرت يعطيني بنته أم خال في زُغدها اليسار، وخفسة إذا ضحكت تبان. استقبلته الجدة، بمطرق الرمان، عند باب السفل، فدخل عليها ما تطقه، وقال (قرشان) بيّاع السمن، يسلّم عليك، فبخّت، وارتخت أعصابها، وقرب من إذنها، وقال يقول باقي فيك مرقة؟ فتواطت على خواشعها على حافة السنة الأولى من الدرج، وتغشاها العَرق، ولزمت بأطراف عمامته، وقالت؛ أنا لويّتك جدك لا يسمع هروجك اللي كما وجهك، وتذكّرت فسألته؛ باقي نشيط؟ فأجابها؛ بينفقع من رأس خشمه، وجهه يندى من كثرة ما يتلحس في السمن، سرح خيالها لزمن مضى، وقالت بصوت مسموع؛ الله يسقِي. تذكّرت سحاريتها؛ فنشدته؛ في ذمتك، كيف افتكيت مفتاحي من رقبتي؟ فأجابها افتكيته ساعة ما كان جدّي يفلّيك وانتي فاغرة، فضحكت واحتاقت بكفها تراب وحصى مخلوطة ببعر غنم ورجمته مرددة، ها هاك هاك في وجهك، انقلع الله يفضح سرّك ويهتك سترك يا سرقان. انبسط جده من مهباطه ومصداره، وضمّه لصدره وسلّم في رأسه؛ مردداً ؛ يانا فدى اللي مرّقنا وذوّقنا وعمّر رأسي، وأضاف؛ أنا أشهد أنك أعرقت لجدانك، اللي كانوا يسرقون الكحلة من عين النابهة، وليت لأبوك بدية يشوف صقارتك اللي تبيّض الوجه، ويدري أن الفحل ينجب فحول، ردّت أم سندان، دخيلك يا عمّ لا تنشيه وتضريه على السرقة، فقال ما بك إلا غيرة، أهلك الله واليها كانوا يخلّون القرية لين ترقد، ويفزرون البيبان، يدورون العيشة، فقالت مقروع وبالله مفروع، لا تتلحق أهلي إلا بخير، وترى كلن عيبه في جيبه، فأندر غليونه من الوتد، وحشاه بالدخان، والتقط له جمرة من الملّة، وعجّت الداخنة، فتهيّض وقال بطرق الجبل (حليل قلبك يا علي من حزن فرقاه، الله على فرقاه يا هب لك معونه).