يعتمد جوهر الوجود الإنساني على فهم أننا لسنا كائنًا جسديًا ونفسيًا فحسب، بل كائنًا روحيًا واجتماعيًا أيضًا. بمعنى آخر، يتم تحديد وجودنا من خلال تفاعلاتنا مع الآخرين؛ سواء كانت كبيرة أو غير ذلك. وبيئتنا توجه نفسياتنا وتطلعاتنا وأسباب وجودنا. إنها ذاتنا النفسية التي تتفاعل باستمرار مع بيئتنا وتكون قادرة على تلبية احتياجات وجودنا الجسدي أو «ذاتنا البيولوجية». وبشكل عام، نحن عبارة عن تفاعل معقد بين أجسادنا وعقولنا وبيئتنا، وتمكين وجودنا الإنساني يحدث عبر سعي الإنسان باستمرار إلى إيجاد معنى لحياته ثم تحقيق هذا المعنى، ونحن بارعون إلى حد ما في التعامل مع بيئتنا المادية، لكن الجوهر الجديد للوجود قد ألقى بنا إلى عالم الفضاء الإلكتروني. وبعبارة أخرى، نحن أيضًا جزء من الوسط الرقمي. وهذا «الافتراضي» يصبح «حقيقيًا» أكثر فأكثر في ما يتعلق بوجودنا. ومن هنا جاء مبدأ «الذكاء الرقمي». لا تقوم التقنيات الرقمية الجديدة على إحداث تغييرات جوهرية في اللغة فحسب، بل تعمل أيضًا على «ترقية» الذكاء البشري مما يجعلنا نقوم بعمليات جديدة وغير مألوفة. قد لفتت ظاهرة التنشئة الاجتماعية السيبرانية للجيل الرقمي انتباه الباحثين في أواخر القرن العشرين، تلتها «موجة» أخرى من التقدم المعلوماتي والتكنولوجي. لقد ثبت أن التغيير الجذري في كمية المعلومات وطرق نقلها وتخزينها جعل من الممكن الانتقال إلى مرحلة جديدة نوعيًا من التطور السيبراني الذي ولّد طلبًا جديدًا على الاحتياجات والدوافع والأهداف والمواقف الجديدة لدى الشخص. فضلا عن أشكال جديدة من التفاعل والأنشطة المرتبطة مباشرة بتطوير تكنولوجيات الإنترنت. في الوقت الحاضر، لم يعد الإنترنت مجرد تقنية جديدة ليس لها حدود مكانية أو إطار زمني. بل هو فضاء يعمل على ظهور أشكال جديدة من الحياة. يخطر لي أن هذه الأشكال الجديدة ستكون مفرغة تمامًا مما هو روحي، ما هو روحي هو بالطبع المعنى الحقيقي للوجود الإنساني وستكون ممتلئة باشتراطات الحياة المادية الاستهلاكية ويفزعني هذا التصور.