برحيل مهندس الكلمة وشاعرها الأنيق الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود، تكون ساحة الشعر العربي قد أطفأت واحداً من قناديلها الوضّاءة التي لطالما استنار بضيائها المبدعون والعشّاق والمتذوقون على حد سواء. شاعرٌ فريد واستثنائي تملّك أدوات الشعر باقتدار خاص، مكّنه من الارتقاء إلى قمة الكلمة التي كان يرسمها بشغف الفنان وقدرة الشاعر. ولد البدر عام 1948م، عاصر تحولات القصيدة والأغنية السعودية، وحلّق في سماوات شعرية خاصة به، لا حدود لآفاقها ولا منتهى لمداها، أسس مدرسة إبداعية تخصّه حتى أصبح أسلوبه منهجاً مستقلاً يميزه الشعراء وجمهور الشعر بكل سهولة وموثوقية، وبات ركناً ثابتاً للشعر السعودي العامي والغنائي على حدٍ سواء، بلغ أوجه عندما حظي في مايو 2019 بتكريم ملكي استثنائي حين منحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- وشاح الملك عبد العزيز خلال استقباله في قصر السلام بجدة. شاعر جزل وتشكيلي بارع لقّب الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود ب«مهندس الكلمة» و«البدر»، وهو من رواد الشعر المحكي في المملكة العربية السعودية، بدأ مشواره فناناً تشكيليًّاً ثم شاعراً فريداً، قام في آخر أيامه بتدشين أعماله الكاملة، في خمسة دواوين مطبوعة، ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب الأخير (هام السحب، شهد الحروف، ما ينقش العصفور في تمرة العذق، لوحة ربما قصيدة، رسالة من بدوي)، التي صدرت بإشراف مؤسسة بدر بن عبدالمحسن الحضارية، بمبادرة من وزارة الثقافة، ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، التي تشرف على ترجمتها إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، من خلال لجان متخصصة، لنقل تجربة سموه الشعرية -يرحمه الله- إلى العالمية. 4 عقود من الإبداع الغزيز شكّل الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، أيقونة ثقافية فنية شعرية سعودية مجددة، ساهم خلال أكثر من أربعة عقود، في تعزيز الثقافة السعودية وتاريخها في آفاق الفن على مستوى العالم العربي، وكرّس لها أبعاداً شاملة في خريطة الغناء داخل المملكة وخارجها. كرمته منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» نظير إسهاماته الشعرية الفنية الثقافية المتفردة. نشأ الأمير بدر في بيت علم وأدب، حيث كان والده محباً للعلم والأدب، درس مراحله الابتدائية بين السعودية ومصر، والمتوسطة في مدرسة الملكة فكتوريا في الإسكندرية، ودرس المرحلة الثانوية في الرياض، كما درس في بريطانيا وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية. عين سنة 1973 بمنصب رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون، وعين رئيساً لتنظيم الشعر بالسعودية. مهندس الأغنية ارتبط اسم «البدر» على مر السنوات بالأغنية السعودية، تغنّى بقصائده نخبة من الفنانين العرب، أمثال: طلال مداح، ومحمد عبده، وعبادي الجوهر، وكتب لصالح المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» مسرحيات غنائية وقصصاً شعرية طويلة، مثل: أوبريت فارس التوحيد، وأوبريت أئمة وملوك. وهو مؤلف لعدد من القصائد المغناة، التي أصبحت لاحقاً من الأغاني السعودية الشهيرة، مثل: «ليلة لو باقي ليلة» لعبدالرب إدريس، و«أبعتذر» لمحمد عبده، و«زمان الصمت» لطلال مداح، كما كتب كلمات الأغنية الوطنية «فوق هام السحب»، التي لحنها وغناها محمد عبده. كتب الأمير بدر نحو 250 قصيدة، وكانت أولى قصائده المغناة قصيدة «عطني المحبة» التي غناها طلال مداح عام 1968م، كما قدم أمسيات عدة داخل المملكة وخارجها، ومنها: أمسية البحرين عام 1988م، وأمسية الرياض 2017م، وأمسية باريس في مقر اليونسكو عام 2019م. قلّده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وشاح الملك عبدالعزيز، نظير ما قدمه في مجال الثقافة والفنون.