ونحن على أبواب أعظم مواطن القبول والرجاء (موسم الحج).. يقصد فيه المسلمون البيت العتيق من كل فجٍّ عميق، يحملون أحلامهم ودعواتهم ليدعو بها.. يتهيؤون لذلك ليس من حين الإحرام وعقد النوايا، بل من حين وقوع نور الأمل وحسن الظن بالله لتوفيقهم لجمع النفقات والوصول سالمين إلى الأماكن المقدسة.. عند الاقتراب من مكة تصبح قلوبهم وكأنها ترفرف كالطير بين غمام السماء.. وعندما ترى أعينهم الكعبة لأول مرة تفيض أعين الاتقياء الخاشعين منهم كما يبكي الطفل الذي أقبل على أحضان أمه لشوقه إليها بعد طول غياب.. حينئذ تعجز الكلمات عن الوصف والتعبير ولا يعلم إلا الرحمن ما تخفي الصدور.. يشرعون في الطواف حول الكعبة، وتبدأ ألسنتهم بالدعاء بما تحوي القلوب من الأمنيات والرجاء.. طامعين بعظيم فضل الله وواسع رحمته.. لا يملون من النظر إلى الكعبة من جمالها وعظيم جلالها وهيبتها.. ترى أعينهم «الحطيم» الذي هو جزء من الكعبة للصلاة فيه، وكأنما صلى في جوف الكعبة المشرفة، لما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعائشة -رضي الله عنها- لما أرادت دخول الكعبة: «صلِّ في الحجر فإنه من البيت».