قيل: «إن الرجل يذنب الذنب فما ينساه، وما يزال متخوفاً منه حتى يدخل الجنة»، قاله القاضي والمحدِّث التابعي «الحسن البصري».. وأقول: من داوم على الاستغفار؛ كُسِرت أحزانه، وسَعِدت نفسه، وطابت له الحياة، وفُتِحت له الدنيا، وأزيحت عن طريقه أوراق الاكتئاب.. إذن؛ ما هي طريقة الاستغفار الصحيح؟ وما المنهج للتعامل مع من يفرِّغه من مضمونة؟ وما هي آدابه وثمراته وصيغته المثلى؟. •• •• •• حين يتعامل أحدنا مع رحلة دنياه بأرصدة عالية من الاستغفار؛ سيستقبل مرحلة حياته المقبلة بنهوض نفسه وتطوير روحه بلا يأس.. من يُريد الاستحواذ على المستقبل بعد فقْدِه السيطرة على الماضي؛ فليستغفر بجبين يلامس الأرض، وليفتح أجفانه ويطلق سراحها لدمعة ندم.. أما الذين اختاروا استكمال حياتهم بلا تبتل، فينظرون لدنياهم من على أريكة الجُبُن؛ ولا نية لديهم لتنمية أرواحهم وبناء ذواتهم. •• •• •• بين الشكوى من الهمِّ، وضيق الرزق وابتلاءات الدنيا؛ أمر رباني بالاستغفار بإيمان ويقين، فمن يصدُق في توبته يتوب الله عليه.. وعندما يستنشق أحدنا هواء الاستغفار الندي مثل الفجر الخفي؛ تتلاءم حياته مع الأمل كشجرة سِدِر تمد أغصانها عالياً نحو الشمس.. حينها نفقه الغاية من (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)، فلا نطمح بأعيننا إلى غيره تعالى إذا احتجنا إلى «مغفرة». •• •• •• في تغليب مبادئ الضراعة وترميم الروح بروح أخرى خاصة؛ إنعاش لقلب مشحون بمشاعر اليقين كأنه سفينة تهتز في بحر هادئ.. وفي الانتقال الرمادي من الذنب المنقبض إلى التضرع الممتد؛ غربة روح وابتسامة مقلوبة، ووجه مبتل تتساقط منه الدموع على الكفوف.. وفي الحنين إلى الخالق بالضراعة والاستغفار؛ صدق مع الذات لفتح أكبر الكنوز الروحية داخل القلوب الصافية، فلا تهاجمها قوارع الحياة. •• •• •• وعند كلام «ابن قيم الجوزية»: «تعطر بالاستغفار فقد فاحت منك رائحة الذنوب»؛ بحث عن سعادة القلوب وطيب الأرواح وصفاء العقول.. وأولئك المستغفرون المتضرعون المبتهلون، السائرون في الدنيا بمسيرة نورانية؛ امتلأت أرواحهم بالنور وزخروا بالفرح فارتسموا السعادة، ليستشعروا بعدها بلذة الحياة.. فإذا باغتت الذنوب أحدنا كموج مندفع، وتكلَّست المعاصي؛ كان من ثمار قطف الاستغفار جودة قلب تلوَّث فطهُر بمغفرة من الخالق.