العنف المبني على النوع الاجتماعي كيف نواجهه؟    سراة عبيدة تحتفل وتتغنى باليوم الوطني    الزهراني مستشاراً لجمعية الإعلام السياحي    أسبوع عمل من أربعة أيام    توطين الحلول الذكية للعمليات التعدينية    إطلاق جائزة المحتوى المحلي    السعودية تؤكد ضرورة الحفاظ على لبنان وتدعو جميع الأطراف لضبط النفس    الأمم المتحدة تشيد بالجهود الإنسانية للمملكة في تخفيف معاناة المتضررين في العالم    المملكة تعلن تقديم دعم مالي شهري لمعالجة الوضع الإنساني في غزة    «ناديا».. روبوت محترف في إنجاز المهام    آيفون ثلاثي الطي في الطريق قريباً    منتخب التايكوندو الشاب يخوض الصراع العالمي    الأخضر السعودي الشاب يتأهّل لنهائيات كأس آسيا 2025    في الجولة الثانية من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي في ضيافة الوصل.. والنصر يستقبل الريان    نفى أي نية لإلغاء البطولة.. الفيفا يعلن تفاصيل مونديال الأندية 2025    ضمن الجولة الخامسة من دوري يلو.. قمة تجمع الحزم والعدالة.. والجبلين يستقبل الزلفي    «الموارد»: اعتماد قواعد لائحتي المنشآت والبرامج الاجتماعية والمهنية لذوي الإعاقة    «تراضي»: إصدار 370 ألف وثيقة صلح.. وعقد أكثر من مليوني جلسة    «التعليم»: بدء استقبال طلبات نقل معلمي الظروف الخاصة.. غداً    توصيل الطلبات.. والمطلوب من مرور جدة    مركز إدارة الحي    الموارد البشرية تعتمد لائحتي المنشآت الاجتماعية لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة    الأوركسترا السعودية تختتم روائعها في لندن وتستعد للانطلاق إلى طوكيو    أحمد عطية الأثري.. قاضي الكويت.. الشاعر والخطاط والرسام    الغنام يدشن معرض «وطن يسكن القلوب» بمكة    يكفيك أن يصفق لك أحدهم بيديه    رحلة غامرة عبر الزمن.. «لحظات العُلا» تطرح تذاكر مهرجان الممالك القديمة    استمتاع بالأجواء الثقافية    المملكة.. تحالف لنصرة فلسطين    علِّموا الأبناء قيَّم الاحترام والامتنان    الصداقة    تشغيل غرفة للعمليات جراحية بمركز العويضة للقدم السكرية ببريدة    تغريم 3 شركات طيران خالفت نظام المراقبة الصحية في منافذ الدخول    «الصحة» ل«عكاظ»: الاستقرار الوظيفي وحماية الحقوق يشملان موظفي البنود    اكتشاف خلايا خفية تساعد في التئام الجروح    الامتيازات التنافسية لمياه الشرب المستوردة    اللبننة مجدداً.. أو الفوضى الخلاقة!    الشباب يتغلّب على الرائد بهدفين في دوري روشن للمحترفين    جندلة    حزين يا صديقي أكثر من اللازم !    لجنة عاجلة لكشف ملابسات الازدحام في أحد مقرات «الشؤون الإسلامية» بالرياض    فبركة مقاطع الذكاء الاصطناعي !    برئاسة المملكة.. القاهرة تستضيف اجتماعات محافظي المصارف العربية    «نحلم ونحقق».. أيقونة وطن!    الأمير سعود بن نهار يطلع على رزنامة احتفال تعليم الطائف باليوم الوطني ال94    أطفال ينثرون الفن والشعر احتفاء بيوم الوطن أمام محافظ القطيف    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على بعض المناطق من يوم غدٍ الاثنين حتى يوم الجمعة المقبل    جلسة حوارية في «معرض الكتاب» عن الاستثمار في قطاع النشر    «معامل البحر الأحمر» تفتح باب التسجيل للموسيقى والصوت    محافظ الأحساء يشدد على سرعة إنجاز الخدمات للمستفيدين    أمير الشرقية يتسلم تقرير اليوم الوطني    فيصل بن مشعل يرعى احتفال جامعة القصيم باليوم الوطني    مركز الملك سلمان يدعم المرأة اليمنية    سمو نائب وزير الحرس الوطني يستقبل الكاتب والمستشار الاعلامي محمد ناصر الأسمري    ميقاتي: النزوح الحالي هو الأكبر في تاريخ لبنان    الزواج التقليدي أو عن حب.. أيهما يدوم ؟    يوم مجيد توحدت فيه القلوب    رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان المملكة إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا عندي حنين !
نشر في عكاظ يوم 20 - 03 - 2023

عندما نكبر تذبل ذاكرتنا وينمو معها عشقنا لطفولتنا حتى ولو كانت بائسة، نحن إلى الحواري والطرق إلى القصص والخرافات إلى الأحضان الدافئة إلى لمسات يد أمهاتنا إلى دعائهن لنا.
في غدٍ؛ حين يعلو صوت البشارة برؤية هلال الصوم، ستعاودك ذات الأشواق القديمة، وتراودك نوازع الحنين، وستجد نفسك كما في كل موسم، جالساً في لحظة قلقة بين الماضي والحاضر، تنظر في ذاكرة المواسم الماضيات، فترى نفسك وأنت بعدُ صبي، خرج من براءة الطفولة، ولم يبلغ نزق الشباب.. بك توثّب ونشاط، ورغبة للحاق بالكبار، ممن وجب عليهم الصوم، ولزمتهم الفريضة، فتعلن في «شجاعة» أنك معهم صائم، مأخوذ بالأجواء المكيّة المهيبة في حضرة رمضان.. وأنت ترقب حركة دؤوبة في أواخر شهر شعبان، لا ترى لها مثيلاً في غيره من شهور العام، استعدادًا، وانتظارًا..
ها هي ليلة الإعلان عن شهر الخير قد دنت، الكل يترقّب الإعلان في بشارة المُستقبِل، وشوق المستهام لليالي الخير والبركات المقسمة، بين ثلاثية؛ المغفرة، والرحمة، والعتق من النار.. الأعين ترصد الآفاق بحثاً عن الهلال، لا مجال للخطأ.
هل تذكر الآن تلك الحادثة الطريفة عن تحري رؤية الهلال التي أوردها ابن خلّكان عن الصحابي الجليل أنس بن مالك، وقد «خرج مع جماعة من الناس لتحرّي الهلال، وكان قد بلغ من العمر مئة عام حينذاك؛ فقال أنس: قد رأيتُه، هو ذاك! وجعل يشير إليه فلا يَرونه، ونظر إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة، إلى أنس؛ وإذا شعرة من حاجبه قد انثنَت على عينه فظن أنها الهلال، فمسحها إياس وسوّاها بحاجبه، ثم قال له: يا أبا حمزة، أرنا موضع الهلال! فجعل ينظرُ ويقول: ما أراهُ»!..
ها قد علا الصوت بالبشارة، فارتفعت الأصوات بالتهليل والتكبير، وثبت الشهر، وعلت منائر البيت الحرام بالبشرى.. وانفسح ضوء شفيف في مكة، اقتبست منه الثريات ضوءاً ليس كالضوء المعهود.. وأمّ المصلون الحرم المكّي الشريف لأوّل ليلة في صلاة التراويح.. ها أنت تقوم معهم، وتتباهى بين أترابك بأنك من صائمي نهار رمضان..
ساعات ويجوس «المسحراتي» طرقات مكة المكرمة، رافعاً عقيرته بشجو حلو، ونغمات موقعة على دفّ بين يديه، ينادي أصحاب البيوت اسمًا اسمًا، ويحثهم على فضل السحور.. تقوم معهم وتأخذ زادك لنهار الغد..
حركة فاترة في أول الصباح، ليس ككل الصباحات الضاجة والنشطة.. والساعات تمضي رويداً رويداً.. والنفس تنازعك كلما اشتد عليها العطش، وقرصها الجوع.. تتصنّع الصبر وتتمسّك بالجلد.. والوقت يمضي، فإذا ما حمي النهار، وقلّت كل المعينات «اللوجستية»، من المهفهفات ببارد النسيم، والمستغشيات بطائف الندي اللطيف، فلا معين لك غير أن تأخذ بعضك خلسة وتمرر الماء إلى حلقك مع الوضوء باصطناع الغفلة، فتبلل ما جفّ وتتزوّد لبقية رحلة النهار الغائظ.. «حيلة» تكررها كلما أشتد الأمر وحزب.. «يمررها» لك الكبار برحمة المشفق.. وقد قارب الوقت إلى العصر، فيدبّ النشاط الفوّار في الأسواق والطرقات، فتخرج تنظر إلى حركة البيع ونشاطه الأسر.. بعض الباعة الجائلين يزرعون الأسواق جيئة وذهابًا، في سوق الليل، والمعلاة، والشامية، بضاعتهم السمبوسة والسوبيا والفواكه والخضروات والكنافة، وفيها من الأطايب، يعرضونها بتنغيم وترديد واقر في ذاكرتك، باعث لنوزاع الحنين المتلاف.. توشك أن تأخذ شيئاً مما يعرضون فتضعه في جوفك، وقد أحرقك الجوع، فتمسك خشية أن ينكشف أمرك بين زملائك ممن يرقبون صيامك في تحدٍّ عجيب.. لقد كان ابن الرومي بصيرًا بهذه اللحظة حين قال عنها:
شهرُ الصّيامِ مباركٌ
ما لَمْ يكنْ في شَهرِ «آب»
اللّيلُ فيه ساعةٌ
ونهارُهُ يومَ الحِسابْ
خِفتُ العذابَ فَصُمتُهُ
فوقعتُ في نفسِ العذابْ
حانت ساعة الإفطار، وقد صفّت الموائد في الدور، وأغلب النّاس قد قصدوا البيت الحرام، وجلسوا في سوح الكعبة المشرفة، البعض يرخي السمع لصوت النداء الخالد، وآخرون تطاولت بهم المسافات ينتظرون دوّي المدفع.. فما أعظم اللحظة حين يرفع الأذان، ويطفئ الصائمون لهب العطش بحسوات من زمزم، وحبات من التمر المبارك، مخلوطة بالدعاء الصادق، والخشوع الذي تنسكب معه العين رضاءً وشوقاً وامتثالاً للخالق العزيز.. لحظة عصية على الوصف، وفوق الإدراك، يخالجك فيها شعور بفرح غامر يرفرف بأجنحة ملائكية في فضاء مكة المباركة..
تمضي الليلة وقد أدى الناس صلاة المغرب والعشاء والتراويح، وانصرفوا إلى سمر ومنادمة ومزاورة للأهل والأحباب، يحملون البشر في وجوههم، وقد اجتمع صبية كل حي ليمارسوا طائفة من الألعاب الشعبية البسيطة، أما الأسر فقد استحلوا سمهرهم مع الفول والترمس وغيرها من مما يعد لأمسيات رمضان، وأحسنها عندك القطائف والكنافة، وكأنك على مذهب الشاعر سعد الدين بن عربي القائل فيها:
وقطائفٍ مقرونةٍ بكنافةٍ
من فوقهنَّ السُّكرُ المذرور
هاتيك تطربُني بنظمٍ رائقِ
ويروقني من هذه المَنثُور
يعود خاطرك الآن من «سرحته».. ليس ثمة مدفع الآن ليعلن دخول الشهور، ستسمع عنه في نشرات الأخبار، أو وسائل التواصل الاجتماعي، ستبقى ساكناً حيث أنت، فلن يزورك أحد، «سيثرثر» تغريد هاتفك برسائل مكرورة وموقعة على التقليد مباركة الشهر، منسوخة وملصوقة بلا أي نبض أو شعور، ستصلي كما كنت تصلي، ولكنك تفتقد شيئاً بداخلك.. سيمر عليك وقت السحر على رنين منبهٍ، بلا حسٍّ أو شعور، ستأخذ نصيبك من السحور إذعاناً للأمر النبوي الشريف، وستبدأ نهارك صائماً، وأنت تفقد شيئاً.. وستأتي إلى ساعة الإفطار وأنت تفقد ذات الشيء.. وستفطر مع أسرتك والجميع منشغل، وأنت تفقد ذات الشيء الذي تفتقده كل عام..
كل عام ووطني ومن على أرضه بخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.