قيل: «هناك من يظن نفسه علَّامة فيدلي برأيه في كل مجلس من غير وجلٍ ولا هيبة»، قاله الأديب حسن الأمين.. وأقول: هناك ثرثارو الكلام، وهم من يحشرون أنوفهم في كل فن هذراً بما لا يفقهون، هؤلاء المتحذلقون لم يتعلموا فن الإنصات.. إذن؛ متى يُعالج أنفسهم أولئك المتباهون؟، وكيف نصل إلى العافية الذهنية الكاملة بتطوير آليات عقولنا للانتقال إلى مراحل النضج الفكري؟. •• •• •• حين يحضر النضج الفكري في إنسان، وتضمحل عنه السطحية؛ يلوح العقل بمنتجاته الفكرية، وتُستوعب المفاهيم واستدلالاتها، فيمنح للناس تجارب الحياة.. وعندما يتكلم الناضج فكرياً ذو المخزون المعرفي؛ يظهر في حديثه المصالحة الرزينة مع الذات المُفكِّرة بتفاعلية إيجابية، واستقلالية صلبة الذهنية.. هؤلاء الذين يمتلكون زهور الفكر المعرفي؛ «يزغردون» كحمامة سلام، وأرواحهم تضيء مثلما تلمع البلورة، وكأنهم يلمسون سقف السماء بأطراف أصابعهم. •• •• •• بين جرأة من ظفر بعلمٍ مهذب فكراً واعتقاداً، ووقاحة مستأثر جاهل متحذلق سفاهة وحمقاً؛ عظمة صورة مثالية لنمط إنسان ناضج.. وفي ولادة المفاهيم عند رزين متزن بمرونة مُعقْلنة؛ تأتي الأفكار والأحداث والمواقف، والرؤية الفاحصة الناقدة، وتغيب الذات غير القابلة للنقد.. ومن يرغب إلى الوصول لنُضج فكري إيجابي بقرار شخصي منه واجتهاد؛ يُناغِم وظائفه العقلية والجسدية والروحية، ويُغيِّر تركيبة بنيته العضوية. •• •• •• في الباحث عن التصنُّع والتكلُّف لجذب الناس إلى حديثه؛ داء أسماه الفقهاء «العُجُب»، يحمله صدره فينخرط في محيطه على مضض.. ذلك المعطوب فكرياً الخالي من مقومات بروء الفِطنة؛ مرجعيته الفكرية مبنية على مناعة عقلية بتركيبة تستمد قوتها من المطامع الشخصية.. ومن يصطدم بهذا النوع من البشر المصابين بعنانة الفكر؛ يشعر بالغثيان يتحرك في جمجمته متسللاً إليها من أحاديث عقول مقفولة. •• •• •• وعند كلام أبي الطيب المتنبي: «لكل داء دواء يُستطبّ به، إلا الحماقة أعيت من يداويها»؛ يبرز المرضى بسوء النضج الفكري.. وأولئك القلقون عند تنظيم أفكارهم، المتطاولون على كلام الآخرين؛ يمشون على «قشر بيض» في محاولة لتزعُّم المجالس العلمية والفكرية بجهالة.. فإذا كان المتطلع للنضج الفكري يجد لذة في ألم القراءة والبحث؛ فعلى الخامل فكرياً إدارة ألمه على جدار نفسه الداخلية.